مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وعلى المرأة إن كانت حرة أن تستتر في صلاتها حتى لا يظهر منها شيء إلا وجهها وكفاها ، فإن ظهر منها شيء سوى ذلك أعادت الصلاة "
قال الماوردي : وهذا كما قال واجب في الصلاة ستر العورة
وقال مالك : ستر العورة مستحب في الصلاة ، وليس بواجب فمن صلى مكشوف العورة وكان الوقت باقيا أعاد وإن كان فائتا لم يعد ، وكل موضع يقول مالك أنه يعيد فيه مع بقاء الوقت يريد به استحبابا لا واجبا
واحتج بأنه لما كان واجبا لغير الصلاة لم تجب للصلاة كالصوم ، والزكاة لما وجبا لغير الصلاة لم يجبا للصلاة ولم يكونا من شرط صحتها
[ ص: 166 ] قال : ولأنه لو كان واجبا في الصلاة لكان له بدل يرجع إليه عند العجز كالقيام والقراءة فلما لم يكن له بدل دل على أنه ليس بواجب كالتسبيح ، وهذا غلط
ودليلنا قوله تعالى : يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد [ الأعراف : 31 ] . وقد اتفقوا على أن غير اللباس لا يجب ، فثبت وجوب اللباس وهو قوله تعالى : عند كل مسجد والمسجد يسمى صلاة قال الله تعالى : لهدمت صوامع وبيع وصلوات [ الحج : 40 ] يعني : مساجد
فإن قيل : نزلت هذه الآية في الطواف ، وكان سببها أن المشركين كانوا يطوفون بالبيت عراة فأنزل الله تعالى : خذوا زينتكم عند كل مسجد فوجب حمل الآية على سببها . قيل عموم اللفظ يشتمل على الطواف والصلاة ، فلا اعتبار بالسبب الخاص على أنه لما أمر بذلك في الطواف كان الأمر به في الصلاة أولى على أن الطواف يسمى صلاة لقوله صلى الله عليه وسلم : الطواف صلاة
وروي سلمة بن الأكوع قال : قلت : يا رسول الله ، إني أخرج إلى الصيد وأصلي وليس علي إلا قميص واحد ، فقال صلى الله عليه وسلم : " زره عليك ، أو اربطه بشوكة " . فأمره بزره خوفا من ظهور عورته في ركوع ، أو سجود ، فدل على وجوب سترتها عن
وروى نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان معه ثوبان فليصل فيهما ، ومن لم يكن معه إلا ثوب واحد فليتزر به
وروت صفية بنت الحارث عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أي : بلغت حال الحيض لا يقبل الله صلاة امرأة حاضت إلا بخمار
وروي " " لا يقبل الله صلاة امرأة تحيض إلا بخمار
وأما قوله لما كان واجبا لغير الصلاة لم يجب للصلاة
فالجواب أن من أصحابنا من قال : ليس بواجب في غير الصلاة وإنما عليه في غير الصلاة أن يتوارى بما يحيل بين عورته وعيون الناس ، فإن توارى بجدار ، أو دخل بيتا جاز ، فعلى هذا يسقط هذا السؤال ، ومذهب الشافعي وجوبها لغير الصلاة ، ولا يدل على أنها لا [ ص: 167 ] تجب للصلاة ، لأن ترك الردة واجب لغير الصلاة ، وللصلاة والإيمان واجب لغير الصلاة وللصلاة ، وأما قوله لو كان واجبا لاقتضى بدلا يرجع إليه عند العجز فيبطل بالتيمم : لأنه واجب للصلاة ولا بدل له