فصل : وأما أحمد بن حنبل فاستدل بما روي عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كانت تدخل إلينا جارية فينظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي عندنا فأعرض عنها فقلت : يا رسول الله ، إنها فلانة فقال : " أو ليس قد حاضت " . قال : فلو لم يكن وجهها عورة فكان النظر إليها جائزا لما أعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنظر إليها كنظره إليها قبل بلوغها قال : وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : علي لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك والآخرة عليك يا
والدلالة عليه قوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها [ النور : 31 ] . قال ابن عباس : الوجه والكفان
وقال تعالى : لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن [ الأحزاب : 52 ] . ولا يعجب حسنهن إلا بالنظر إليهن وقال تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم [ النور : 30 ] . ولم يقل : أبصارهم . فدل على أن الغض عن بعض دون بعض
وروي أن امرأة خرجت يدها لتبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هذه كف مبيع أين الحياء "
[ ص: 169 ] وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا عركت المرأة أو قال : حاضت لم يجز النظر إليها إلا إلى وجهها وكفيها
وقال صلى الله عليه وسلم : إذا أراد أحدكم خطب امرأة فلينظر إلى وجهها وكفيها فإن ذلك أدوم لما بينهما
وأما حديث عائشة ، رضي الله عنها ، فيه عنه جوابان :
أحدهما : أنه امتنع من النظر إليها - وهي فضل
والثاني : أنه فعل ذلك تنزيها لما رفع الله سبحانه من قدره وأبان من فضله
وأما حديث علي عليه السلام فللناس فيه تأويلان :
أحدهما : معناه لا تتبع نظر قلبك نظر عينك
والثاني : لا تتبع النظرة الأولى التي وقعت سهوا للنظرة الثانية التي تقع عمدا