مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وإن كان فإنه يتحرى أحد الثوبين ، فيصلي فيه ويجزئه ، وكذلك معه ثوبان أحدهما طاهر ، والآخر نجس ، ولا يعرفه فإنه يتوضأ بأحدهما على التحري ويجزئه " . إناءان من ماء أحدهما طاهر والآخر نجس
قال الماوردي : أما الاجتهاد في الإناءين فقد مضى في كتاب الطهارة ، وأما الاجتهاد في الثوبين إذا كان أحدهما طاهرا والآخر نجسا فجائز على مذهب الشافعي وأبي حنيفة ، فإذا بان له طهارة أحدهما بالاجتهاد صلى فيه وأجزأه .
وقال أبو إبراهيم المزني : لا يجوز الاجتهاد فيهما ؟ بل يصلي في أحدهما ويعيد في الآخر .
قال : لأنه قد يقدر على أداء فرضه بيقين فلم يجز أن يؤديه مجتهدا بالشك كمن ترك صلاة من جملة خمس صلوات لا يعرفها بعينها لما لزمه إعادة الخمس صلوات ليكون مؤديا لفرضه بيقين ، وجب أن يكون في الثوبين كذلك قال : ويفارق هذا الإناءين حيث جاز له الاجتهاد فيهما أنه لو أمر أن يتطهر بكل واحد منهما لكان حاملا لنجاسة بيقين ، وهذا خطأ ، والدلالة على فساده من طريق المعنى أن ستر العورة في الصلاة عبادة تؤدى باليقين والظاهر ، [ ص: 245 ] فجاز دخول التحري فيها عند الاشتباه قياسا على القبلة والأواني ، ومعنى قولنا : تؤدى باليقين هو : أن يصلي في ثوب قد غسله .
وقولنا : تؤدى بالظاهر هو : جواز ، واليقين في القبلة أن يعاينها ، والظاهر أن يكون غائبا عنها ، واليقين في الماء أن يتوضأ بماء النهر ، والظاهر بماء الأواني ، فأما ما ذكره من وصوله إلى أداء فرضه بيقين فمنتقض عليه بجهات القبلة يجوز له الاجتهاد فيها ، ولا يلزمه الصلاة إلى جميعها ، وإن كان فيه أداء فرضين بيقين ، ثم الفرق بين تركه لصلاة من خمس صلوات وبين الثوبين من ثلاثة أوجه : الصلاة في ثياب المشركين
أحدها : أن ما سوى فرضه من الصلوات الخمس نافلة وفعلها على وجه العمد طاعة ، وفعل معصية ، فافترقا من هذا الوجه . الصلاة على وجه العمد في ثوب نجس
والوجه الثاني : هو أن عليه تعيين النية في الصلاة المتروكة من الخمس ، فلا يمكنه تعيين النية لها إلا بقضاء الخمس ، وليس عليه تعيين النية في الظاهر من الثوبين فافترقا من هذا الوجه أيضا .
والفرق الثالث : عدم المشقة في إعادة الصلوات الخمس إذا ترك أحدها ، لأن أكثر ما يلزمه إعادة خمس سواء ترك صلاة ، أو صلاتين ، أو ثلاثا ، أو أربعا ، وإذا نال المشقة في إعادة الصلاة في الثياب لأنه قد يكون معه ثوب نجس في جملة ألف ثوب طاهر لا يعرفه بعينه ، فلو كلف إعادة الصلاة في كل ثوب مرة للزمه إعادة تلك الصلاة ألف مرة ، وهذا أعظم مشقة .