الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولا تصل المرأة شعرها بشعر إنسان ، ولا شعر ما لا يؤكل لحمه بحال " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال .

                                                                                                                                            [ القول في وصل الشعر بشعر نجس ]

                                                                                                                                            لا يجوز للمرأة أن تصل شعرها بشعر نجس بحال ، وسواء في النهي شعور الآدميين ، وشعور ما لا يؤكل لحمه من الحيوان أو غير ذلك من الشعور النجسة لما على المصلي من اجتناب الأنجاس .

                                                                                                                                            وقد روت فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابنتي أصابها الحصباء فتمزق شعرها أفأصله ؟ قال : " لا ، لعنت الواصلة والموصولة .

                                                                                                                                            وقد روي من طريق آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الواصلة والمستوصلة ، والواشمة ، والمستوشمة ، والواشرة ، والمستوشرة ، والنامصة ، والمتنمصة ، والعاضهة ، والمستعضهة .

                                                                                                                                            فأما الواصلة والمستوصلة ففيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها التي تصل بين الرجال والنساء بالفاحشة .

                                                                                                                                            والثاني : أنها التي تصل شعرها بشعر نجس ، فأما التي تصل شعرها بشعر طاهر فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون أمة مبيعة تقصد به غرور المشتري ، أو حرة تخطب الأزواج تقصد به تدليس نفسها عليهم ، فهذا حرام لعموم النهي ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ليس منا من غش .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن تكون ذات زوج تفعل ذلك للزينة عند زوجها ، أو أمة تفعل ذلك لسيدها ، فهذا غير حرام لأن المرأة مأمورة بأخذ الزينة لزوجها من الكحل ، والخضاب ، ألا ترى إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لعن السلتاء والمرهاء فالسلتاء التي لا تختضب ، والمرهاء التي لا تكتحل ، يريد من فعلت ذلك كراهة لزوجها ، فأمرها بذلك زينة له فكذلك [ ص: 257 ] صلة الشعر لاجتماع ذلك في الزينة ، وحكي عن أحمد بن حنبل : أنه منع من ذلك بكل حال : لأن النهي عام ، وما ذكرناه أصح .

                                                                                                                                            وأما الواشرة ، والمستوشرة : هي التي تبرد الأسنان بحديدة لتجديدها وزينتها .

                                                                                                                                            وأما الواشمة : وهي التي تنقش بدنها وتشمه بما كانت العرب تفعله من الخضرة في غرز الإبر فيبقى لونه على الإبر .

                                                                                                                                            وأما الوشم بالحناء ، والخضاب فمباح ، وليس مما تناوله النهي .

                                                                                                                                            فأما النامصة ، والمتنمصة : فهي التي تأخذ الشعر من حول الحاجبين وأعالي الجبهة ، والنهي في هذا كله على معنى النهي في الواصلة ، والمستوصلة .

                                                                                                                                            وأما العاضهة ، والمستعضهة : فهي التي تقع في الناس .

                                                                                                                                            قال الشاعر :


                                                                                                                                            إن العيضهة ليست فعل أحرار

                                                                                                                                            وأما خضاب الشعر فمباح بالحناء ، والكتم ومحظور بالسواد إلا أن يكون في جهاد العدو ؟ ولرواية الحسن البصري قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخضاب بالسواد ، وقال : إن الله عز وجل مبغض للشيخ الغربيب ألا لا تغيروا هذا الشيب ، فإنه نور المسلم ، فمن كان لا محالة فاعلا فبالحناء والكتم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية