الخامسة : ، وذلك يعم شرط القرع والخسق وغيرهما ، والأصل أن السهم متى وقع مباعدا تباعدا مفرطا إما مقصرا عن الغرض ، وإما مجاوزا له ، نظر إن كان ذلك لسوء الرمي ، حسب على الرامي ، ولا يرد إليه السهم ليرمي به ، وإن كان لنكبة عرضت ، أو خلل في آلة الرمي بغير تقصير من الرامي ، فذلك السهم غير محسوب عليه ، ويوضح هذا الأصل بصور ، إحداها : إذا النكبات : هي التي تطرأ عند الرمي وتهوشه إن كان لتقصيره وسوء رميه حسب عليه ، وإن الرمية عليه ، فيعيدها ، لأنه معذور ، ولو انقطع الوتر ، أو انكسر السهم ، أو القوس إن كان تقصيره وسوء رميه حسب عليه ، وإن كان لضعف الآلة وغيره لا لتقصيره وإساءته ، لم تحسب ، كما لو حدث في يده علة أو ريح ، وقيل : إن وقع السهم عند هذه العوارض قريبا من الغرض ، حسب عليه ، حكاه الإمام عن عرض في مرور السهم إنسان أو بهيمة فمنع السهم ، أو القوس أبي إسحاق ، وقيل [ ص: 384 ] إن وقع السهم مجاوزا للغرض ، حسب عليه ، لأن المجاوزة تدل على أن العارض لم يؤثر ، وإنما هو لإساءته ، والأول هو الصحيح المنصوص ، لأن الخلل يؤثر تارة في التقصير ، وتارة في الإسراف ، فإن قلنا : تحسب عليه ، فلو أصاب حسب له ، وإن قلنا بالمنصوص : إنه لا يحسب عليه ، فأصاب ، حسب له على الأصح ، لأن الإصابة مع النكبة تدل على جودة الرمي ، ثم في كتاب أن الانقطاع والانكسار إنما يؤثر حدوثهما قبل خروجه من القوس ، وأما بعده ، فلا أثر له ، وصور ابن كج البغوي انكسار السهم فيها إذا كان بعد خروجه من القوس ، وجعله عذرا ، ولو انكسر السهم نصفين بلا تقصير ، وأصاب أحد نصفيه الغرض إصابة شديدة ، فثلاثة أوجه ، أحدها : لا تحسب ، والثاني : تحسب الإصابة بالنصف الأعلى ، وهو الذي فيه الفوق دون الذي فيه النصل ، والثالث وهو الصحيح ، وبه قطع العراقيون والأكثرون وهو المنصوص : تحسب الإصابة بالنصف الذي فيه النصل دون الأعلى ، ولو أصاب بالنصفين ، لم تحسب إصابتين ، وكذا لو رمى سهمين دفعة واحدة ، ذكره ابن كج ، ولو ، حسب عليه لسوء رميه ، ولو حاد السهم عن سنن الهدف ، وخرج عن السماطين ، فهذا اشتغال بغير النضال الذي تعاقدا عليه ، فلا يحسب عليه . رمى إلى غير الجهة التي فيها الهدف
الثانية : ، نظر إن كان ذلك السهم تعلق به ، وبعضه خارج ، لم يحسب له ، لأنه لا يدري هل كان يبلغ الغرض لولا هذا السهم ، ولا يحسب عليه أيضا ، لأنه عرض دون الغرض عارض ، فإن شقه ، وأصاب الغرض ، حسب ، وقد يجيء فيه الخلاف السابق في البهيمة ، فإن كان ذلك السهم قد غرق فيه ، حسب إصابة ، وإن كان الشرط الخسق ، لم يحسب له ولا عليه ، لأنه لا يدري هل كان بخسق أم لا ؟ وينبغي أن [ ص: 385 ] ينظر إلى ثبوته فيه ، وتقاس صلابة ذلك السهم بصلابة الغرض كما سبق نظيره ، ولو أغرق الرامي ، وبالغ في المد حتى دخل النصل مقبض القوس ، ووقع السهم عنده ، فالنص إلحاقه بانكسار القوس وانقطاع الوتر ونحوهما ، لأن سوء الرمي أن يصيب غير ما قصده ، ولم يوجد هذا هنا ، وعن صاحب " الحاوي " أنه يحسب عليه ، وقال ابن القطان : إن بلغ مدى الغرض ، حسب عليه وإلا فلا . كان في الغرض سهم ، فأصاب سهمه فوق ذلك السهم
الثالثة : الريح اللينة لا تؤثر حتى لو ، حسب له وإن صرفته عن السمت بعض الصرف ، فأخطأ ، حسب عليه ، لأن الجو لا يخلو عن الريح اللينة غالبا ، ويضعف تأثيرها في السهم مع سرعة مروره ، وقيل : يمنع الاحتساب له وعليه ، وقيل : يمنع الاحتساب عليه ، والصحيح الأول ، ولو رمى زائلا عن المسامتة ، فردته الريح اللينة ، أو رميا ضعيفا ، فقوته ، فأصاب ، فوجهان ، أحدهما وهو ظاهر النص ، وبه أجاب الإمام كانت الريح عاصفة ، واقترنت بابتداء الرمي : لا يؤثر لأن ابتداء الرمي والريح عاصفة تقصير ، ولأن للرماة حذقا في الرمي وقت هبوب الريح ليصيبوا ، فإذا أخطأ ، فقد ترك ذلك ، وظهر سوء رميه ، وأصحهما وهو قول والغزالي ابن سلمة ، وبه قطع العراقيون وغيرهم : لا يحسب له إن أصاب لقوة تأثيرها ، ولهذا يجوز لكل واحد ترك الرمي إلى أن تركد بخلاف اللينة ، ولو هجم هبوب العاصفة بعد خروج السهم من القوس ، فمقتضى الترتيب أن يقال : إن قلنا : اقترانها مؤثر ، فهبوبها أولى ، وإلا فوجهان ، أحدهما : أنها كالنكبات العارضة ، والثاني : المنع ، لأن الجو لا يخلو عن الريح ، [ ص: 386 ] ولو فتح هذا الباب ، لتعلق به المخطئون ، وطال النزاع ، والمذهب : أنه إن أخطأ في الهجوم لا يحسب عليه ، وإن أصاب ، فهل يحسب له ؟ فيه الخلاف في السهم المزدلف ، وقال الشيخ أبو إسحاق : عندي أنه لا يحسب له قطعا ، لأنا لا نعلم أنه أصاب برميه ، ولو هبت ريح نقلت الغرض إلى موضع آخر ، فأصاب السهم الموضع المنتقل عنه ، حسب له ، إن كان الشرط الإصابة على الصحيح ، وإن كان الخسق ، نسبت صلابة الموضع بصلابة الغرض ، ولو أصاب الغرض في الموضع المنتقل إليه ، حسب عليه ، لا له ، ولو أزالت الريح الغرض حتى استقل السهم ، فأصابه السهم ، قال : لا يحسب له . ابن كج