الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الشرط الخامس : كونه كتابيا ، فالكفار ثلاثة أصناف . أحدها : أهل كتاب ، ومنهم : اليهود والنصارى ، فيقرون بالجزية ، فلو زعم قوم أنهم متمسكون بصحف إبراهيم وزبور داود صلى الله عليهما وسلم ، فهل يقرون بالجزية ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، ومنهم من قطع به ، ولا تحل مناكحتهم وذبيحتهم على المذهب عملا بالاحتياط في المواضع الثلاثة ، وقيل بطرد الخلاف في حل الذبيحة والمناكحة إلحاقا لكتبهم بكتاب اليهود ، وحكي ذلك عن القاضي أبي الطيب وغيره ، وإذا ألحقناهم باليهود ، فإن تحققنا صدقهم ، أو أسلم اثنان منهم ، وشهدوا بذلك ، فذاك ، وعن صاحب الحاوي أن المعتبر قول جماعة تحصل الاستفاضة بقولهم ، وإن شككنا في أمرهم ، كالمجوس .

                                                                                                                                                                        الصنف الثاني : المجوس ، فيقرون بالجزية ، وهل كان لهم كتاب أم شبهة كتاب ؟ قولان سبقا في النكاح ، أظهرهما : الأول وقطع به بعضهم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 305 ] الثالث : من ليس له ولا شبهة ، كعبدة الأوثان والملائكة والشمس ، ومن في معناهم ، فلا يقرون بالجزية ، سواء فيهم العربي والعجمي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اليهود والنصارى يقرون بالجزية ، مهما دخل آباؤهم في اليهود أو التنصر قبل تبدل ذلك الدين ، ولا فرق بين أولاد المبدلين وغيرهم ، ولو دخل وثني في يهودية أو نصرانية بعد مبعث نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، لم يقروا ، هم ولا أولادهم ، لأنهم تمسكوا بدين باطل ، وقال المزني : يقرون ، والتهود بعد بعثة عيسى - صلى الله عليه وسلم - كالتهود والتنصر بعد بعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم - على الأصح ، وقد ذكرناه في النكاح ، وإن دخلوا فيه بعد التبديل وقبل النسخ ، فطريقان ، أحدهما : إن تمسك بما لم يحرف ، قرر ، وإن تمسك بمحرف ، لم يقرر هو ولا أولاده ، وهل في الأولاد قولان ، وبهذا الطريق قال العراقيون والبغوي وآخرون ، والثاني : يقرون بلا تفصيل ولا خلاف ، وهذا الطريق يدير الحكم على الدخول قبل النسخ وبعده ، وهو اختيار ابن كج ، والقاضي أبي الطيب ، والإمام ، والروياني ، قال القاضي أبو الطيب : لا أحفظ الشرط المذكور للشافعي ، إنما فرق في كتبه بين ما قبل نزول القرآن وما بعده ، وهذا أصح ، قال الإمام : لأنهم وإن بدلوا فمعلوم أنه بقي فيه ما لم يبدل ، فلا تنحط عن شبهة كتاب المجوس ، أو تغليبا لحقن الدم ، ولو لم نعرف أدخلوا قبل النسخ أو بعده ، أو قبل التبديل أو بعده ، قررناهم بالجزية كالمجوس .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        المذهب أن السامرة والصابئين إن خالفوا اليهود والنصارى في [ ص: 306 ] أصول دينهم فليسوا منهم ، وإلا فمنهم ، وهكذا نص عليه ، وعليه يحمل النصان الآخران ، وقيل : قولان مطلقا ، وقيل : تؤخذ منهم الجزية قطعا ، وهذا فيما إذا لم يكفرهم اليهود والنصارى ، فإن كفروهم ، لم يقروا قطعا ، فإن أشكل أمرهم ، ففي تقررهم احتمالان ذكرهما الإمام ، الأصح : الجواز .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو أحاط الإمام بقوم ، فزعموا أنهم أهل كتاب ، أو أن آباءهم تمسكوا بذلك الدين قبل التبديل ، قررهم بالجزية ، لأنه لا يعرف الأمر إلا من جهتهم ، قال ابن الصباغ : ويشترط عليهم إن بان خلاف قولهم ، نبذ عهدهم وقاتلهم ، وإن ادعاه بعضهم دون بعض ، عامل كل طائفة بمقتضى قولها ، ولا يقبل قول بعضهم على بعض ، فلو أسلم منهم اثنان ، وظهرت عدالتهما ، وشهدا بخلاف دعواهم ، نبذ عهدهم ، هذا لفظ جماعة وقال الإمام : يتبين أنه لا ذمة لهم ، وهل يغتالهم لتلبيسهم علينا أم يلحقهم بالمأمن ؟ فيه تردد ، والظاهر : اغتيالهم لتدليسهم ، وكذا لو أسلم من السامرة أو الصابئين اثنان ، فشهدا بكفرهم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        من أحد أبويه كتابي والآخر وثني ، فيه طرق ، والمذهب : تقريره ، سواء كان الكتابي الأب أو الأم ، وقيل : قولان ، وقيل : لا يقرر ، وقيل : يلحق بالأب ، وقيل : بالأم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        توثن نصراني وله أولاد صغار ، فإن كانت أمهم نصرانية ، استمر لهم حكم التنصر ، فتقبل منهم الجزية بعد بلوغهم ، وإن كانت وثنية ، [ ص: 307 ] ففي تقريرهم بالجزية قولان ، أظهرهما : نعم ، لأنه ثبت لهم علقة التنصر فلا تزول ، وحقيقة القولين ترجع إلى أن توثنه هل يستتبع أولاده ؟ فإن أتبعناهم ، لم يغتالوا ، لأنهم كانوا في أمان ، ولم تؤخذ منهم جزية ، وأما أبوهم ، فيبنى حكمه على ما سبق في كتاب النكاح أنه هل يقنع منه بالعود إلى دينه أم لا يقنع إلا بالإسلام ، فإن أباهما ، فيقتل أم يلحق بالمأمن ؟ قولان الأظهر : الثاني .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الولد المنعقد من مرتدين ، هل هو مسلم ، أم مرتد ، أم كافر أصلي ؟ فيه أقوال سبقت في الردة ، فإن قلنا : مسلم ، فبلغ وصرح بالكفر ، فمرتد ، وإن قلنا : أصلي ، فالصحيح أنه لا يقر بجزية .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يهود خيبر كغيرهم في ضرب الجزية عليهم ، وسئل ابن سريج - رحمه الله - عما يدعونه أن عليا - رضي الله عنه - كتب لهم كتابا بإسقاطها ، فقال : لم ينقل ذلك أحد من المسلمين ، وفي " البحر " أن ابن أبي هريرة أسقط الجزية عنهم ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ساقاهم ، وجعلهم بذلك خولا ، قال : وهذا شيء تفرد به ، والمساقاة معاملة لا تقتضي إسقاط الجزية .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        الزمن والشيخ الفاني ، والأجير والراهب والأعمى تضرب عليهم الجزية كغيرهم على المذهب والمنصوص ، لأن الجزية كأجرة الدار ، وقيل : إن قلنا : لا يقتلون ، فلا جزية ، كالنساء ، وأما الفقير العاجز عن الكسب ، فالمشهور المنصوص في عامة كتبه ، أن عليه جزية ، وفي قول : [ ص: 308 ] موسر ، أخذناها منه ، وإلا فهي في ذمته حتى يوسر ، وكذا حكم الحول الثاني وما بعده ، وفي وجه : لا يمهل ولا يقر في دارنا ، بل يقال : إما أن تحصل الجزية بما أمكنك ، وإما أن نبلغك المأمن ، لأنه قادر على رفع الجزية بالإسلام ، وإذا قلنا : لا يجب ، عقدنا له الذمة على شرط إجراء الأحكام عليه ، وبذل الجزية عند القدرة ، فإذا أيسر ، فهو أول حوله ، هكذا قاله الأصحاب ، وأشار الإمام إلى أن ابتداء الحول من وقت العقد .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الجاسوس الذي يخاف شره ، لا يقر بالجزية .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية