النوع الثاني : . الاستطاعة بغيره
يجوز أن يحج عن الشخص غيره ، إذا ، أو كان كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أصلا ، أو لا يثبت إلا بمشقة شديدة . عجز عن الحج ، بموت ، أو كسر ، أو زمانة ، أو مرض لا يرجى زواله ، لا يجوز له الاستنابة ، ولا يجوز أيضا لمن لا يثبت على الراحلة لمرض يرجى زواله . وكذا من وجب عليه الحج ثم جن ، ليس للولي أن يستنيب عنه ؛ لأنه قد يفيق فيحج [ ص: 13 ] بنفسه . فلو استناب عنه فمات قبل الإفاقة ، ففي إجزائه القولان في استنابة المريض الذي يرجى برؤه إذا مات . فمقطوع اليدين أو الرجلين ، إذا أمكنه الثبوت على الراحلة من غير مشقة شديدة
هذا كله في حجة الإسلام والقضاء والنذر . أما ، فلا يجوز الاستنابة فيه عن القادر قطعا . حج التطوع
وفي قولان . أظهرهما : الجواز ، وبه قال استنابة المعضوب عن نفسه ، والوارث عن الميت مالك وأبو حنيفة وأحمد . ولو ففي جواز الإحجاج عنه طريقان . أحدهما : طرد القولين ؛ لأنه لا ضرورة إليه . والثاني : القطع بالجواز . لوقوعه عن حجة الإسلام ، فإن استأجر للتطوع وجوزناه فللأجير الأجرة المسماة . ويجوز أن يكون الأجير عبدا ، أو صبيا ، بخلاف حجة الإسلام ، فإنه لا يجوز استئجارهما فيها ؛ لأنهما ليسا من أهلها . وفي المنذورة ، الخلاف المشهور ، في أنه يسلك بالنذر مسلك الواجبات أم لا ؟ وإن لم نجوز الاستئجار للتطوع وقع الحج عن الأجير ، ولم يستحق المسمى . وهل يستحق أجرة المثل ؟ قولان : أظهرهما : يستحق . لم يكن الميت حج ، ولا وجب عليه لعدم الاستطاعة
قلت : قال المتولي : هذا الخلاف إذا جهل الأجير فساد الإجارة . فإن علم لم يستحق شيئا بلا خلاف . قال : والمسألة مفروضة في المعضوب ، فإن ، وقلنا : لا تدخله النيابة ، فحج الأجير وقع عن نفسه ولا أجرة له بلا خلاف ، لا على الوصي ولا على الوارث ، ولا في التركة . - والله أعلم - . أوصى الميت بحجة تطوع
فرع
من ليس له أن يستنيب من يحج عنه . فإن استناب فحج النائب فشفي لم يجزئه قطعا . وإن مات ، فقولان . أظهرهما : لا يجزئه ، ولو به علة يرجى زوالها ، فطريقان . أصحهما : طرد [ ص: 14 ] القولين . والثاني : القطع بعدم الإجزاء . فإن قلنا في الصورتين : يجزئه ، استحق الأجير الأجرة المسماة ، وإلا فهل يقع عن تطوع المستأجر ، ويكون هذا عذرا في جواز وقوع التطوع قبل الفرض ، كالرق ، والصبا ، أم لا يقع عنه أصلا ؟ وجهان . أصحهما عند الجمهور : الثاني ، وصحح كان غير مرجو الزوال ، فأحج عنه ثم شفي الأول . الغزالي
فإن قلنا : لا يقع عنه أصلا ، فهل يستحق الأجير أجرة ؟ قولان . أظهرهما : لا ؛ لأن المستأجر لم ينتفع بها . والثاني : نعم ؛ لأنه عمل له في اعتقاده فعلى هذا ، هل يستحق المسمى ، أم أجرة المثل ؟ وجهان . وإذا قلنا : يقع عن تطوعه استحق الأجير الأجرة . وهل هي أجرة المثل أم المسماة ؟ قال الشيخ أبو محمد : لا يبعد تخريجه على الوجهين .
قلت : الأصح هنا : المسمى . - والله أعلم - .
فرع
لا يجزئ ، بخلاف قضاء الدين عن غيره ؛ لأن الحج يفتقر إلى النية ، وهو أهل للإذن . وفيه وجه : أنه يجوز بغير إذنه ، وهو شاذ ضعيف . ويجوز الحج عن المعضوب بغير إذنه ، ويجب عند استقراره عليه ، سواء أوصى به ، أم لا . ويستوي فيه الوارث والأجنبي كالدين . وسيأتي تفصيله في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى . الحج عن الميت
وأما المعضوب ، فتلزمه الاستنابة في الجملة ، سواء طرأ العضب بعد الوجوب أو بلغ معضوبا واجدا للمال . ثم لوجوب الاستنابة عليه طريقان .
أحدهما : أن . وشرطه : أن يكون فاضلا عن الحاجات [ ص: 15 ] المذكورة فيمن يحج بنفسه ، إلا أنا اعتبرنا هناك ، أن يكون المصروف إلى الزاد والراحلة فاضلا عن نفقة عياله إلى الرجوع . وهنا يعتبر كونه فاضلا عن نفقتهم وكسوتهم يوم الاستئجار ، ولا يعتبر بعد فراغ الأجير من الحج . وهل تعتبر مدة الذهاب ؟ وجهان . أصحهما : لا ، كما في الفطرة والكفارة ، بخلاف ما لو حج بنفسه ، فإنه إذا لم يفارق أهله ، أمكنه تحصيل نفقتهم . ثم إن وفى ما يجده بأجرة راكب ، فذاك . وإن لم يف إلا بأجرة ماش ، ففي وجوب الاستئجار وجهان . أصحهما : يجب ، إذ لا مشقة عليه في مشي الأجير ، بخلاف ما إذا حج بنفسه . ولو طلب الأجير أكثر من أجرة المثل ، لم يجب الاستئجار ، ولو رضي بأقل منها وجب . ولو امتنع من الاستئجار ، فهل يستأجر عنه الحاكم ؟ وجهان . أصحهما : لا . يجد مالا يستأجر به من يحج عنه
الطريق الثاني : أن ، وفيه صور . لا يجد المال ، لكن يجد من يحصل له الحج
إحداها : أن ، ففي لزوم قبوله وجهان . الصحيح : لا يلزم . الثانية : أن يبذل له أجنبي مالا ليستأجر له ، فيلزمه القبول والحج قطعا ، بشرط أن يكون المطيع قد حج عن نفسه ، وموثوقا به ، وأن لا يكون معضوبا . يبذل واحد من بنيه أو بناته أو أولادهم الطاعة في الحج
قلت : وحكى السرخسي في " الأمالي " وجها واهيا : أنه لا يلزمه . - والله أعلم - .
ولو توسم أثر الطاعة [ فيه ] ، فهل يلزمه الأمر ؟ وجهان . الأصح المنصوص : يلزمه ، لحصول الاستطاعة . ولو بذل المطيع الطاعة ، فلم يأذن المطاع ، فهل ينوب الحاكم عنه ؟ وجهان . أصحهما : لا ، لأن مبنى الحج على التراخي [ ص: 16 ] ، وإذا اجتمعت الشرائط ، فمات المطيع قبل أن يأذن له ، فإن مضى وقت إمكان الحج ، استقر الوجوب في ذمته ، وإلا فلا . ولو كان له من يطيع ولم يعلم بطاعته ، فهو كما لو كان له مال موروث ولم يعلم به . وشبهه صاحب " الشامل " بمن نسي الماء في رحله وتيمم ، لا يسقط الفرض على المذهب .
وشبهه صاحب " المعتمد " بالمال الضال في الزكاة . والمذهب : وجوبها فيه . ولك أن تقول : لا يجب الحج بحال ، فإنه متعلق بالاستطاعة ، ولا استطاعة مع عدم العلم بالمال والطاعة . ولو بذل الولد الطاعة ، ثم أراد الرجوع ، فإن كان بعد إحرامه ، لم يجز ، وإلا جاز على الأصح .
قلت : وإذا كان رجوعه الجائز قبل أن يحج أهل بلده ، تبينا أنه لم يجب على الأب ، وقد ذكر الإمام الرافعي في كتاب " الرهن " هذه المسألة في مسائل بيع العدل الرهن . - والله أعلم - .
الثالثة : أن يبذل الأجنبي الطاعة ، فيلزم قبولها على الأصح . والأخ كالأجنبي قطعا ؛ لأن استخدامه يثقل . وكذا الأب على المذهب الذي قطع به الجمهور . وحكي في بعض التعاليق وجه : أنه كالابن ، لاستوائهما في النفقة .
الرابعة : أن يبذل الولد المال ، فلا يلزم قبوله على الأصح لعظم المنة فيه . وبذل الأب المال كبذل الابن ، أو كبذل الأجنبي ، فيه احتمالان ذكرهما الإمام ، أصحهما : الأول .
فرع
جميع المذكور في بذل الطاعة ، هو فيما إذا كان الباذل راكبا . فلو بذل الابن الطاعة ليحج ماشيا ، ففي لزوم القبول وجهان . قال الشيخ أبو محمد : هما مرتبان على الوجهين في لزوم استئجار الماشي ، وهنا أولى بالمنع ؛ لأنه يشق عليه [ ص: 17 ] مشي ولده .
وفي معناه الوالد إذا أطاع وأوجبنا قبوله . ولا يجئ الترتيب إذا كان المطيع الأجنبي .
قلت : الأصح : أنه لا يجب القبول إذا كان الولد ، أو الوالد ماشيا . - والله أعلم - .
وإذا أوجبنا القبول والمطيع ماش ، فهو فيما إذا ملك الزاد . فإن عول على الكسب في الطريق ، ففي وجوب القبول وجهان ؛ لأن الكسب قد ينقطع . فإن لم يكن مكتسبا ، وعول على السؤال ، فأولى بالمنع . فإن كان يركب مفازة ليس بها كسب ولا سؤال ، لم يجب القبول بلا خلاف ؛ لأنه يحرم التغرير بالنفس .
قلت : إذا أفسد الباذل حجه ، انقلب إليه كما سيأتي في الأجير إن شاء الله تعالى . قال الدارمي : ولو بذل لأبويه فقبلا لزمه ويبدأ بأيهما شاء ، قال : وإذا قبل الأب البذل ، لم يجز له الرجوع . وإذا كان على المعضوب حجة نذر ، فهي كحجة الإسلام . - والله أعلم - .