الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        اللفظ السادس : الثمار ، وهي تباع بعد بدو الصلاح وقبله .

                                                                                                                                                                        الحالة الأولى : إذا بيعت بعد بدو الصلاح ، جاز مطلقا ، وبشرط إبقائها إلى وقت الجداد ، وبشرط القطع ، سواء كانت الأصول للبائع ، أم للمشتري ، أم لغيرهما . فإن أطلق ، فله الإبقاء إلى وقت الجداد ، ولا يجوز بيع الثمار بعد الصلاح مع ما يحدث بعدها . الثانية : إذا بيعت قبل بدو الصلاح ، فإما أن تباع مفردة عن الشجر ، وإما معه .

                                                                                                                                                                        الضرب الأول : المفردة . وللأشجار صورتان . إحداهما : أن تكون للبائع [ الغلة أو للمشتري ] أو لغيرهما . فلا يجوز بيع الثمار مطلقا ، ولا بشرط الإبقاء ، ويجوز بشرط القطع بالإجماع . ولو كانت الكروم في بلاد شديدة البرد بحيث لا تنتهي ثمارها إلى الحلاوة ، واعتاد أهلها قطع الحصرم ، فوجهان . قال القفال : يجوز بيعها بغير شرط القطع ، ويكون المعتاد كالمشروط . ومنع الأكثرون ذلك . ويجري الخلاف فيما لو جرت عادة قوم بانتفاع المرتهن [ ص: 556 ] بالمرهون ، حتى تنزل عادتهم على رأي منزله شرط الانتفاع ، ويحكم بفساد الرهن . ولو باع بشرط القطع ، وجب الوفاء به . فلو تراضيا على تركه ، فلا بأس ، ويكون بدو الصلاح ، ككبر العبد الصغير . وإنما يجوز البيع بشرط القطع ، إذا كان المقطوع منتفعا به ، كالحصرم واللوز ونحوهما . فأما ما لا منفعة فيه ، كالجوز والكمثرى ، فلا يصح بيعه بشرط القطع أيضا .

                                                                                                                                                                        الصورة الثانية : أن تكون الأشجار للمشتري ، بأن يبيع إنسانا شجرة ، وتبقى الثمرة له ، ثم يبيعه الثمرة ، أو يوصي لإنسان بالثمرة فيبيعها لصاحب الشجرة ، ففي اشتراط القطع ، وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما عند الجمهور : يشترط ، ولكن لا يلزمه الوفاء بالشرط هنا ، بل له الإبقاء ، إذ لا معنى لتكليفه قطع ثماره عن أشجاره ولو باع شجرة عليها ثمرة مؤبرة ، فبقيت للبائع ، فلا حاجة إلى شرط القطع ; لأن المبيع هو الشجرة ، وهي غير متعرضة للعاهات ، والثمرة مملوكة له بحكم الدوام . ولو كانت الثمرة غير مؤبرة ، فاستثناها لنفسه ، ففي وجوب شرط القطع وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : لا يجب ؛ لأنه في الحقيقة استدامة لملكها . فعلى هذا ، له الإبقاء إلى وقت الجداد . ولو صرح بشرط الإبقاء ، جاز . والثاني : يجب ، ولا يصح التصريح بالإبقاء .

                                                                                                                                                                        قلت : قال الإمام : إذا قلنا : يجب شرط القطع ، فأطلق ، فظاهر كلام الأصحاب أن الاستثناء باطل ، والثمرة للمشتري . قال : وهذا مشكل ، فإن صرف الثمرة إليه مع التصريح باستثنائها محال . قال : فالوجه عد الاستثناء المطلق شرطا فاسدا مفسدا للعقد في الأشجار ، كاستثناء الحمل . والله أعلم .



                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : أن تباع الثمرة مع الشجر ، فيجوز من غير شرط القطع ، بل لا يجوز شرط القطع .

                                                                                                                                                                        قلت : لو قطع شجرة عليها ثمرة ثم باع الثمرة وهي عليها ، جاز من غير شرط القطع ; لأن الثمرة لا تبقى عليها ، فيصير كشرط القطع . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 557 ] فرع

                                                                                                                                                                        لا يشترط للاستغناء عن شرط القطع بدو الصلاح في كل عنقود ، بل إذا باع ثمرة شجرة واحدة بدا الصلاح في بعضها ، صح من غير شرط القطع . ولو باع ثمار أشجار بدا الصلاح في بعضها ، نظر ، إن اختلف الجنس ، لم يغير بدو الصلاح في جنس حكم جنس آخر . فلو باع رطبا وعنبا بدا الصلاح في أحدهما فقط ، وجب شرط القطع في الآخر . وإن اتحد الجنس ، فالكلام في اتحاد البستان وتعدده . وإذا اتحد ، ففي بيعها صفقة واحدة وإفراد ما لم يبد فيه الصلاح بالبيع . وحكم الأقسام كلها على ما سبق في التأبير بلا فرق ، حتى أن الأصح : أنه لا تبعية عند الإفراد ، وأنه لا أثر لاختلاف النوع ، وأنه لا يتبع بستان بستانا . ولو بدا الصلاح في ملك غير البائع ، ولم يبد في ملكه ، فإن كانا في بستانين ، فلا عبرة به قطعا ، وكذا إن كانا في بستان واحد على الأصح . ويجري الوجهان فيما لو أبر ملك غير البائع في بستان واحد . والأصح : أنه لا يكون للمبيع حكم المؤبر .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يحصل بدو الصلاح بظهور النضج ، ومبادئ الحلاوة ، وزوال العفوصة أو الحموضة المفرطتين ، وذلك فيما لا يتلون ، بأن يتموه ويلين ، وفيما يتلون ، بأن يحمر [ ص: 558 ] أو يصفر أو يسود ، وهذه الأوصاف وإن عرف بها بدو الصلاح ، فليس واحد منها شرطا فيه ; لأن القثاء لا يتصور فيه شيء منها ، بل يستطاب أكله صغيرا وكبيرا . وإنما بدو صلاحه ، أن يكبر بحيث يجنى في الغالب ويؤكل ، وإنما يؤكل في الصغر على الندور . وكذا الزرع ، لا يتصور فيه شيء منها ، وبدو صلاحه باشتداد الحب . قال صاحب " التهذيب " : بيع أوراق الفرصاد قبل تناهيها ، لا يجوز إلا بشرط القطع ، وبعده يجوز مطلقا وبشرط القطع . والعبارة الشاملة أن يقال : بدو الصلاح في هذه الأشياء ، ضرورتها إلى الصفة التي تطلب غالبا لكونها على تلك الصفة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية