الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في بيان القاعدة المعروفة بمد عجوة

                                                                                                                                                                        ومقصوده
                                                                                                                                                                        : أن يشتمل العقد على ربوي من الجانبين ، ويختلف العوضان أو أحدهما ، جنسا ، أو نوعا ، أو صفة ، وهو ضربان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : يكون الربوي من الجانبين جنسا ، والثاني : يكون جنسين . فالأول : فيه تقع القاعدة المقصودة .

                                                                                                                                                                        فمن صوره : أن يختلف الجنس من الطرفين أو أحدهما ، كما إذا باع مد عجوة ، ودرهما بمد عجوة ودرهم ، أو بمدي عجوة ، أو بدرهمين ، أو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاع حنطة وصاع شعير ، أو بصاعي حنطة ، أو بصاعي شعير .

                                                                                                                                                                        ومن صوره : أن يختلف النوع أو الصفة من الطرفين أو أحدهما ، كما إذا باع مد عجوة ومد صيحاني ، بمد عجوة ، ومد صيحاني ، أو بمدي عجوة ، أو بمدي صيحاني ، أو باع مائة دينار جيدة ، ومائة دينار رديئة [ بمائتي ] دينار جيد ، أو رديء ، أو وسط ، أو بمائة جيد ، ومائة رديء ، فلا يصح البيع في شيء من هذه الصور ونظائرها . هذا هو الصحيح المعروف الذي قطع به الجمهور ، ولنا وجه : أنه إذا باع مد عجوة ودرهما بمد ودرهم ، والدرهمان من ضرب واحد ، والمدان من شجرة واحدة ، أو باع صاع حنطة وصاع شعير بمثلهما ، وصاعا الحنطة من صبرة ، وكذا الشعير ، صح . ويحكى هذا عن القاضيين أبي الطيب وحسين ، واختاره الروياني . وحكى صاحب " البيان " وجها : أنه لا يضر اختلاف النوع والصفة ، إذا اتحد الجنس . والمعروف ما سبق .

                                                                                                                                                                        [ ص: 387 ] ومن صور هذا الأصل : أن يبيع دينارا صحيحا ودينارا مكسرا بدينار صحيح وآخر مكسر ، أو بصحيحين ، أو بمكسرين إذا كانت قيمة المكسر دون الصحيح ، ولنا وجه ضعيف : أن صفة الصحة في محل المسامحة . ثم إن الأصحاب ، أطلقوا القول بالبطلان في حكايتهم المذهب . وحكى صاحب " التتمة " : أنه إذا باع مدا ودرهما بمدين ، بطل العقد في المد المضموم إلى الدرهم وفيما يقابله من المدين . وهل يبطل في الدرهم وما يقابله من المدين ؟ فيه قولا تفريق الصفقة . وعلى هذا قياس ما لو باعهما بدرهمين ، أو باع صاع حنطة وصاع شعير ، بصاعي حنطة ، أو بصاعي شعير . ويمكن أن يكون كلام من أطلق محمولا على ما فصله . ولو كان الجيد مخلوطا بالرديء ، فباع صاعا منه بمثله ، أو بجيد ، أو برديء ، جاز ؛ لأن التوزيع إنما يكون عند تميز أحد النوعين عن الآخر . أما إذا لم يتميز ، فهو كما لو باع صاعا وسطا بجيد ، أو رديء ، فيجوز . ثم صور البطلان مفروضة فيما إذا قابل الجملة بالجملة . فلو فصل ، فتبايعا مد عجوة ودرهما بمد ودرهم ، وجعلا المد في مقابلة المد ، والدرهم في مقابلة الدرهم ، أو جعلا المد في مقابلة الدرهم ، والدرهم في مقابلة المد جاز ، وكان كصفقتين متباينتين .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : أن يكون الربوي من الطرفين جنسين ، وفي الطرفين أو أحدهما شيء آخر ، فاختلفت علة الربا ، بأن باع درهما ودينارا بصاع حنطة وصاع شعير ، جاز . وإن اتفقت ، فإن كان التقابض شرطا في جميع العوضين ، بأن باع صاع حنطة أو صاع شعير ، بصاعي تمر ، أو بصاع تمر وصاع ملح ، جاز أيضا . وإن كان التقابض شرطا في البعض فقط ، بأن باع صاع حنطة ودرهما ، بصاعي شعير ، ففيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم ؛ لأن ما يقابل الدرهم من الشعير ، لا يشترط فيه التقابض . وما يقابل الحنطة يشترط فيه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 388 ] فرع :

                                                                                                                                                                        لو باع صاع حنطة بصاع حنطة ، وفيهما أو في أحدهما زوان ، أو عقد التبن ، أو مدر ، أو حبات شعير ، لم يجز . وضبط الإمام المنع ، بأن يكون الخليط قدرا لو ميز ظهر على المكيال ، فإن كان لا يظهر ، لم يضر ، ولو كان فيهما أو في أحدهما دقاق تبن ، أو قليل تراب ، لم يضر ؛ لأن ذلك يدخل في تضاعيف الحنطة ، ولا يظهر في المكيال ، بخلاف ما لو باع موزونا بجنسه وفيهما أو في أحدهما قليل تراب ، لا يجوز ؛ لأنه يؤثر في الوزن . ولو باع حنطة بشعير وفيهما أو في أحدهما حبات من الآخر يسيرة ; صح ، وإن كثر لم يصح ، قال الإمام : ولا يضبط ذلك بالتأثير في الكيل ، ولا بالتمول ، بل ضبط الكثير أن يكون الشعير المخالط للحنطة قدرا يقصد تمييزه ليستعمل شعيرا ، وكذا بالعكس .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        لو باع دارا بذهب ، فظهر فيها معدن ذهب ، أو باع دارا فيها بئر ماء بدار فيها بئر ماء ، وقلنا : الماء ربوي ، صح البيع في المسألتين على الأصح ؛ لأنه تابع ، والثاني : لا يصح ، كبيع دار موهت بذهب تمويها يحصل منه شيء بذهب .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية