[ ص: 33 ] فصل
إذا ، وجب على التراخي . وقال اجتمعت شرائط وجوب الحج أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، والمزني : على الفور . ثم عندنا يجوز لمن وجب عليه الحج بنفسه أو بغيره أن يؤخره بعد سنة الإمكان . فلو خشي العضب ، وقد وجب عليه الحج بنفسه ، لم يجز التأخير على الأصح . وإذا تأخر بعد الوجوب فمات قبل حج الناس تبين عدم الوجوب لتبين عدم الإمكان ، وإن مات بعد حج الناس استقر الوجوب ولزم الإحجاج من تركته .
قال في " التهذيب " : ورجوع القافلة ليس بشرط ، حتى لو مات بعد انتصاف ليلة النحر ، ومضي إمكان السير إلى منى والرمي بها ، وإلى مكة والطواف بها ، استقر الفرض عليه ، وإن مات ، أو جن قبل ذلك ، لم يستقر عليه . وإن هلك ماله بعد رجوع الناس ، أو مضي إمكان الرجوع ، استقر الحج ، وإن هلك بعد حجهم ، وقبل الرجوع وإمكانه ، فوجهان . أصحهما : لا يستقر . هذا حيث نشرط أن يملك نفقة الرجوع .
فإن لم نشرطها ، استقر قطعا . ولو أحصر الذين أمكنه الخروج معهم ، فتحللوا ، لم يستقر الحج عليه . فلو سلكوا طريقا آخر فحجوا ، استقر ، وكذا لو حجوا في السنة التي بعدها إذا عاش وبقي ماله .
وإذا دامت الاستطاعة وتحقق الإمكان فلم يحج حتى مات ، فهل يموت عاصيا ؟ فيه أوجه . أصحهما : نعم . والثاني : لا ، والثالث : يعصي الشيخ دون الشاب ، والخلاف جار فيما لو كان صحيح البدن فلم يحج حتى صار زمنا . والأصح : العصيان أيضا .
فإذا زمن وقلنا بالعصيان ، فهل تجب عليه الاستنابة على الفور لخروجه بالتقصير عن استحقاق البر فيه ، أم له تأخير الاستنابة كما لو بلغ معضوبا ؟ فإن استنابته على التراخي فيه وجهان . أصحهما : الأول . وعلى هذا لو امتنع وأخر ، فهل يجيزه القاضي على الاستنابة ، أو يستأجر [ ص: 34 ] عليه ؟ وجهان . أحدهما : نعم كزكاة الممتنع . وأصحهما : لا . وإذا قلنا : يموت عاصيا ، فمن أي وقت يعصي ؟ فيه أوجه . أصحها : من السنة الآخرة من سني الإمكان لجواز التأخير إليها . والثاني : من السنة الأولى ، لاستقرار الفرض فيها .
والثالث : يموت عاصيا ، ولا يسند العصيان إلى سنة بعينها . ومن فوائد موته عاصيا أنه لو شهد شهادة ولم يحكم بها حتى مات لم يحكم لبيان فسقه . ولو قضي بشهادته بين السنة الأولى والأخيرة من سني الإمكان ، فإن عصيناه من الأخيرة ، لم ينقض ذلك الحكم بحال . وإن عصيناه من الأول ، ففي نقضه القولان ، فيما إذا بان فسق الشهود .