[ ص: 79 ] فصل 
في أحكام الطواف 
للطواف بأنواعه وظائف واجبة ، وأخرى مسنونة . فالواجب : ثمانية مختلف في بعضها . 
الأول : الطهارة عن الحدث ، والنجس ، وستر العورة  ، كما في الصلاة . فلو طاف محدثا ، أو عاريا ، أو على بدنه أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها لم يصح طوافه ، وكذا لو كان يطأ في مطافه النجاسة . ولم أر للأئمة تشبيه مكان الطواف بالطريق في حق المتنفل ماشيا أو راكبا ، وهو تشبيه لا بأس به . ولو أحدث في أثناء طوافه عمدا  ، لزمه الوضوء . وهل يبني على ما مضى من طوافه ، أم يستأنف ؟ قولان . وقيل : وجهان . أظهرهما : له البناء . 
والثاني : يجب الاستئناف . فلو سبقه الحدث ، فإن قلنا : يبني العامد ، فهذا أولى وإلا فقولان ، أو وجهان . الأصح : البناء . هذا كله إذا لم يطل الفصل . فإن طال فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى . 
وحيث لا نوجب الاستئناف ، نستحبه . 
الواجب الثاني : الترتيب  ، وهو أن يبتدئ من الحجر الأسود ، فيحاذيه بجميع بدنه ، ويمر تلقاء وجهه والبيت على يساره . فلو جعل البيت على يمينه ومر من الحجر الأسود إلى الركن اليماني ، لم يصح طوافه . فلو لم يجعله على يمينه ولا على يساره ، بل استقبله بوجهه معترضا ، أو جعل البيت على يمينه ، ومشى قهقرى نحو الباب ، فوجهان . أصحهما : لا يصح ، وهو الموافق لعبارة الأكثرين . والقياس جريان هذا الخلاف فيما لو مر معترضا مستدبرا . 
 [ ص: 80 ] قلت : الصواب : القطع بأنه لا يصح الطواف في هذه الصورة ، فإنه منابذ لما ورد الشرع به . - والله أعلم - . 
ولو ابتدأ من غير الحجر الأسود ، لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود ، فيكون منه ابتداء الطواف . وينبغي أن يمر في الابتداء بجميع بدنه على جميع الحجر الأسود ، فلا يقدم جزءا من بدنه على جزء من الحجر الأسود . فلو حاذاه ببعض بدنه ، وكان بعضه مجاوزا إلى جانب الباب ، فقولان . 
الجديد : أنه لا يعتد بتلك الطوفة . والقديم : يعتد بها . وجعل إمام الحرمين   والغزالي  هذا الخلاف وجهين ، وليس كما قالا ، بل هما قولان منصوصان ، حكاهما الأصحاب . ولو حاذى بجميع البدن بعض الحجر دون بعضه ، أجزأه ، ذكره أصحابنا العراقيون . كما يجزئه أن يستقبل في الصلاة بجميع بدنه بعض الكعبة    . 
الواجب الثالث : أن يكون خارجا بجميع بدنه عن جميع البيت    . فلو مشى على الشاذروان ، لم يصح طوافه فإنه جزء من البيت . وينبغي أن يدور في طوافه حول الحجر وهو المحوط بين الركنين الشاميين بجدار قصير ، بينه وبين كل واحد من الركنين فتحة . وكلام كثير من الأصحاب يقتضي كون جميعه من البيت ، وهو ظاهر نصه في " المختصر " . لكن الصحيح : أنه ليس كذلك ، بل الذي هو من البيت قدر ست أذرع تتصل بالبيت . وقيل : ست أذرع ، أو سبع . ولفظ " المختصر " محمول على هذا . فلو دخل إحدى الفتحتين ، وخرج من الأخرى ، لم يحسب له ذلك ، ولا ما بعده حتى ينتهي إلى الفتحة التي دخل منها بلا خلاف . ولو لم يدخل الفتحة ، وخلف القدر الذي من البيت ، ثم اقتحم الجدار ، وقطع الحجر على السمت ، صح طوافه . 
قلت : الأصح : أنه لا يصح الطواف في شيء من الحجر ، وهو ظاهر المنصوص ،   [ ص: 81 ] وبه قطع معظم الأصحاب تصريحا وتلويحا . ودليله : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف خارج الحجر   . - والله أعلم - . 
ولو كان يطوف ويمس الجدار بيده في موازاة الشاذروان أو غيره من أجزاء البيت ، ففي صحة طوافه وجهان . الصحيح باتفاق فرق الأصحاب : أنه لا يصح ؛ لأن بعض بدنه في البيت ، فهو كما لو كان يضع إحدى رجليه أحيانا على الشاذروان ، ويقفز بالأخرى . 
الواجب الرابع : أن يقع الطواف في المسجد الحرام   ، ولا بأس بالحائل فيه بين الطائف والبيت ، كالسقاية والسواري . ويجوز في أخريات المسجد وأروقته ، وعند باب المسجد من داخله ، ويجوز على سطوحه إذا كان البيت أرفع بناء كما هو اليوم . فإن جعل سقف المسجد أعلى ، فقد ذكر في العدة : أنه لا يجوز الطواف على سطحه . ولو صح قوله ، لزم أن يقال : لو انهدمت الكعبة    - والعياذ بالله - لم يصح الطواف حول عرصتها ، وهو بعيد . 
فرع 
لو وسع المسجد اتسع المطاف ، وقد جعلته العباسية أوسع مما كان في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . 
قلت : أول من وسع المسجد الحرام  بعد رسول الله    - صلى الله عليه وسلم -   عمر بن الخطاب     - رضي الله عنه - اشترى دورا وزادها فيه ، واتخذ للمسجد جدارا قصيرا دون القامة . وكان  عمر  أول من اتخذ الجدار للمسجد الحرام  ، ثم وسعه   عثمان بن عفان     - رضي الله عنه - كذلك واتخذ له الأروقة ، وكان أول من اتخذها ثم وسعه   [ ص: 82 ] عبد الله بن الزبير  في خلافته ، ثم وسعه   الوليد بن عبد الملك  ، ثم  المنصور  ، ثم  المهدي     . وعليه استقر بناؤه إلى وقتنا هذا . - والله أعلم - . 
الواجب الخامس : العدد    . وهو أن يطوف سبعا . الواجب السادس : مختلف فيه . وهو أنه إذا فرغ من الطواف صلى ركعتين    . وهل هما واجبتان ، أم سنة ؟ قولان . أظهرهما : سنة ، هذا إذا كان الطواف فرضا . فإن كان سنة ، فطريقان . أحدهما : طرد القولين . 
والثاني : القطع بأن الصلاة سنة . وقيل : تجب الصلاة في الطواف المفروض قطعا . ويستحب أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة : ( قل يا أيها الكافرون    ) وفي الثانية : ( قل هو الله أحد    ) : وأن يصليها خلف المقام . فإن لم يفعل ، ففي الحجر وإلا ففي المسجد ، وإلا ففي أي موضع شاء من الحرم  وغيره . ويجهر فيهما بالقراءة ليلا ، ويسر نهارا . وإذا قلنا : هما سنة فصلى فريضة بعد الطواف أجزأه عنها ، كتحية المسجد نص عليه في القديم ، وحكاه الإمام عن  الصيدلاني  ، لكنه استبعده . 
وتمتاز هذه الصلاة عن غيرها ، بجريان النيابة فيها إذ الأجير يؤديها عن المستأجر . 
قلت : اختلف أصحابنا في صلاة الأجير هذه ، فقيل : تقع عنه . وقيل : تقع عن المستأجر ، وهو الأشهر . - والله أعلم - . 
فرع 
ركعتا الطواف وإن أوجبناهما ، فليستا بشرط في صحته ، ولا ركنا منه ، بل يصح بدونهما . وفي تعليل جماعة من الأصحاب ، ما يقتضي اشتراطهما . 
 [ ص: 83 ] قلت : الصواب : أنهما ليستا شرطا ولا ركنا . - والله أعلم - . 
ولا تفوت هذه الصلاة ما دام حيا ، ولا يجبر تأخيرها ، ولا تركها بدم ، لكن حكى صاحب " التتمة " عن نص   الشافعي     - رضي الله عنه - : أنه إذا أخر ، تستحب له إراقة دم . وقال الإمام : لو مات قبل الصلاة ، لم يمتنع جبرها بالدم . 
قلت : وإذا أراد أن يطوف طوافين أو أكثر ، استحب أن يصلي عقيب كل طواف ركعتيه . فلو طاف طوافين أو أكثر بلا صلاة ، ثم صلى لكل طواف ركعتيه جاز . - والله أعلم - . 
الواجب السابع : مختلف فيه ، وهو النية    . وفي وجوبها في الطواف وجهان . أصحهما : لا تجب ؛ لأن نية الحج تشمله . وهل يشترط أن لا يصرفه إلى غرض آخر من طلب غريم ونحوه ؟ وجهان . أصحهما : نعم . ولو نام في الطواف أو بعضه على هيئة لا ينتقض الوضوء . قال الإمام : هذا يقرب من صرف الطواف إلى طلب الغريم . ثم قال : ويجوز أن يقطع بوقوعه موقعه . 
قلت : الأصح : صحة طوافه . - والله أعلم - . 
فرع 
لو حمل رجل محرما من صبي ، أو مريض ، أو غيرهما ، وطاف به  ، فإن كان الحامل حلالا ، أو قد طاف عن نفسه ، حسب الطواف للمحمول بشرطه ، وإلا فإن قصد الطواف عن المحمول فثلاثة أوجه . أصحها : يقع للمحمول فقط تخريجا على قولنا : يشترط أن لا يصرفه إلى غرض آخر . والثاني : يقع   [ ص: 84 ] عن الحامل فقط تخريجا على قولنا : لا يشترط ذلك ، فإن الطواف حينئذ يكون محسوبا له ، فلا ينصرف عنه ، بخلاف ما إذا حمل محرمين وطاف بهما وهو حلال ، أو محرم قد طاف ، فإنه يجزئهما جميعا ؛ لأن الطواف غير محسوب للحامل ، فيكون المحمولان كراكبي دابة . 
والثالث : يقع عنهما جميعا . ولو قصد الطواف عن نفسه وقع عنه ، ولا يحسب عن المحمول ، قاله الإمام ، وحكي اتفاق الأصحاب عليه . قال : وكذا لو قصد الطواف لنفسه وللمحمول . وحكى صاحب " التهذيب " وجهين في حصوله للمحمول ، مع الحامل . ولو لم يقصد شيئا من الأقسام الثلاثة ، فهو كما لو قصد نفسه أو كليهما . وسواء في الصبي المحمول حمله وليه الذي أحرم عنه أو غيره . 
قلت : لو طاف المحرم بالحج معتقدا أنه محرم بعمرة  أجزأه عن الحج ، كما لو طاف عن غيره ، وعليه طواف ، ذكره  الروياني     . - والله أعلم - . 
الواجب الثامن : مختلف فيه ، وهو الموالاة بين الطوفات السبع  ، وفيها قولان . أظهرهما : أنها سنة ، فلا تبطل بالتفريق الكثير . والثاني : واجبة ، فتبطل بالتفريق الكثير بلا عذر . فإن فرق يسيرا أو كثيرا بعذر ، فهو كما قلنا في الوضوء . قال الإمام : والكثير ما يغلب على الظن تركه الطواف . ولو أقيمت المكتوبة وهو في أثناء الطواف ، فالتفريق بها تفريق بعذر . وقطع الطواف المفروض لصلاة الجنازة أو الرواتب مكروه ، إذ لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					