النوع الثاني : التطيب  فتجب الفدية باستعمال الطيب قصدا . فأما الطيب ، فالمعتبر فيه أن يكون معظم الغرض منه التطيب ، واتخاذ الطيب منه ، أو يظهر   [ ص: 129 ] فيه هذا الغرض . فالمسك ، والكافور ، والعود ، والعنبر ، والصندل طيب . وأما ما له رائحة طيبة من نبات الأرض ، فأنواع . 
منها : ما يطلب للتطيب واتخاذ الطيب منه ، كالورد ، والياسمين ، والزعفران ، والخيري ، والورس ، فكله طيب . وحكي وجه شاذ في الورد والياسمين والخيري . ومنها : ما يطلب للأكل ، أو للتداوي غالبا ، كالقرنفل ، والدارصيني ، والسنبل ، وسائر الأبازير الطيبة ، والتفاح ، والسفرجل ، والبطيخ ، والأترج ، والنارنج ، ولا فدية في شيء منها . ومنها : ما يتطيب به ولا يؤخذ منه الطيب ، كالنرجس ، والريحان الفارسي ، وهو الضيمران ، والمرزنجوش ونحوها ، ففيها قولان . القديم لا فدية . والجديد : وجوبها . 
وأما البنفسج ، فالمذهب : أنه طيب . وقيل : لا . وقيل : قولان . والنيلوفر ، كالنرجس . وقيل : طيب قطعا . 
ومنها : ما ينبت بنفسه ، كالشيح ، والقيصوم ، والشقائق ، وفي معناها نور الأشجار ، كالتفاح والكمثرى وغيرهما ، وكذا العصفر ، والحناء ولا فدية في شيء من هذا . 
وحكى بعض الأصحاب وجها : أنه تعتبر عادة كل ناحية فيما يتخذ طيبا ، وهذا غلط نبهنا عليه . 
فرع 
الأدهان  ضربان . دهن ليس بطيب كالزيت والشيرج ، وسيأتي في النوع الثالث إن شاء الله تعالى . ودهن هو طيب ، فمنه دهن الورد ، والمذهب : وجوب الفدية فيه ، وبه قطع الجمهور . وقيل : وجهان . ومنه دهن البنفسج ، فإن لم نوجب الفدية في نفس البنفسج ، فدهنه أولى ، وإلا فكدهن الورد . 
ثم اتفقوا على   [ ص: 130 ] أن ما طرح فيه الورد والبنفسج ، فهو دهنهما . ولو طرحا على السمسم فأخذ رائحة ، ثم استخرج منه الدهن ، قال الجمهور : لا يتعلق به فدية ، وخالفهم  الشيخ أبو محمد     . ومنه البان ودهنه ، أطلق الجمهور : أن كل واحد منهما طيب . ونقل الإمام عن نص   الشافعي     - رحمه الله - : أنهما ليس بطيب ، وتابعه   الغزالي  ، ويشبه أن لا يكون خلافا محققا ، بل هما محمولان على توسط حكاه صاحبا " المهذب " و " التهذيب " ، وهو أن دهن البان المنشوش ، وهو المغلي في الطيب طيب ، وغير المنشوش ليس بطيب . 
قلت : وفي كون دهن الأترج طيبا ، وجهان حكاهما  الماوردي  ،   والروياني     . وقطع  الدارمي     : بأنه طيب . - والله أعلم - . 
فرع 
ولو أكل طعاما فيه زعفران ، أو طيب آخر ، أو استعمل مخلوطا بالطيب لا بجهة الأكل  نظر إن استهلك الطيب فلم يبق له ريح ولا طعم ولا لون ، فلا فدية . وإن ظهرت هذه الصفات ، أو بقيت الرائحة فقط وجبت الفدية . وإن بقي اللون وحده ، فقولان . أظهرهما : لا فدية . وقيل : لا فدية قطعا . وإن بقي الطعم فقط ، فكالرائحة على الأصح . وقيل : كاللون . ولو أكل الخلنجين المربى بالورد نظر في استهلاك الورد فيه وعدمه ، وخرج على هذا التفصيل . 
قلت : قال صاحب " الحاوي "   والروياني     : لو أكل العود فلا فدية عليه ؛ لأنه لا يكون متطيبا به إلا بأن يتبخر به ، بخلاف المسك . - والله أعلم - . 
 [ ص: 131 ] فرع 
لو خفيت رائحة الطيب ، أو الثوب المطيب لمرور الزمان ، أو لغبار وغيره  ، فإن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت رائحته ، حرم استعماله . وإن بقي اللون ، لم يحرم على الأصح . ولو انغمر شيء من الطيب في غيره كماء ورد انمحق في ماء كثير  ، لم تجب الفدية باستعماله على الأصح . فلو انغمرت الرائحة وبقي اللون أو الطعم ، ففيه الخلاف السابق . 
فرع 
في بيان الاستعمال 
هو أن يلصق الطيب ببدنه ، أو ملبوسه على الوجه المعتاد في ذلك الطيب    . فلو طيب جزءا من بدنه بغالية ، أو مسك مسحوق ، أو ماء ورد لزمه الفدية سواء الإلصاق بظاهر البدن أو باطنه ، بأن أكله أو احتقن به ، أو استعط . وقيل : لا فدية في الحقنة والسعوط ، ولو عبق به الريح دون العين بأن جلس في دكان عطار ، أو عند الكعبة  وهي تبخر ، أو في بيت تبخر ساكنوه  فلا فدية . ثم إن لم يقصد الموضع لاشتمام الرائحة ، لم يكره ، وإلا كره على الأظهر . وقال  القاضي حسين     : يكره قطعا . والقولان في وجوب الفدية ، والمذهب : الأول ولو احتوى على مجمرة فتبخر بالعود بدنه ، أو ثيابه ، لزمه الفدية . فلو مس طيبا فلم يعلق به شيء من عينه ، لكن عبقت به الرائحة   [ ص: 132 ] ، فلا فدية على الأظهر . ولو شد المسك ، أو العنبر ، أو الكافور في طرف ثوبه ، أو وضعته المرأة في جيبها ، أو لبست الحلي المحشو بشيء منها  ، وجبت الفدية ؛ لأنه استعماله . 
قلت : ولو شد العود فلا فدية ؛ لأنه لا يعد تطيبا بخلاف شد المسك . - والله أعلم - . 
ولو شم الورد ، فقد تطيب . ولو شم ماء الورد ، فلا بل استعماله أن يصبه على بدنه أو ثوبه . 
ولو حمل مسكا أو طيبا غيره ، في كيس ، أو خرقة مشدودة ، أو قارورة مصممة الرأس ، أو حمل الورد في ظرف  ، فلا فدية ، نص عليه في " الأم " . وفي وجه شاذ : أنه إن كان يشم قصدا لزمه الفدية . ولو حمل مسكا في فأرة غير مشقوقة ، فلا فدية على الأصح . ولو كانت الفأرة مشقوقة ، أو القارورة مفتوحة الرأس ، قال الأصحاب : وجبت الفدية ، وفيه نظر ؛ لأنه لا يعد تطيبا . ولو جلس على فراش مطيب ، أو أرض مطيبة ، أو نام عليها مفضيا ببدنه أو ملبوسه إليها ، لزمه الفدية . فلو فرش فوقه ثوبا ، ثم جلس عليه ، أو نام لم تجب الفدية . لكن إن كان الثوب رقيقا كره . ولو داس بنعله طيبا لزمه الفدية . 
فرع 
في بيان القصد 
فلو تطيب ناسيا لإحرامه ، أو جاهلا بتحريم الطيب  فلا فدية . وقال  المزني     : تجب ولو علم تحريم الاستعمال ، وجهل وجوب الفدية . 
 [ ص: 133 ] ولو علم تحريم الطيب ، وجهل كون الممسوس طيبا ، فلا فدية على المذهب وبه قطع الجمهور . وقيل : وجهان . ولومس طيبا رطبا وهو يظنه يابسا  لا يعلق به شيء منه ، ففي وجوب الفدية قولان . رجح الإمام وغيره : الوجوب . ورجحت طائفة عدم الوجوب ، وذكر صاحب " التقريب " : أنه القول الجديد . ومتى لصق الطيب ببدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية بأن كان ناسيا ، أو ألقته الريح عليه لزمه أن يبادر إلى غسله ، أو ينحيه أو يعالجه بما يقطع ريحه . 
والأولى أن يأمر غيره بإزالته ، فإن باشره بنفسه لم يضر ، فإن أخر إزالته مع الإمكان فعليه الفدية فإن كان زمنا لا يقدر على الإزالة فلا فدية كمن أكره على التطيب ، قاله في " التهذيب " . 
قلت : ولو لصق به طيب يوجب الفدية لزمه أيضا المبادرة إلى إزالته . - والله أعلم - . 
				
						
						
