المسألة الثانية من الأحكام
[ غسل الكفين ]
[ ص: 13 ] اختلف الفقهاء في ، فذهب قوم إلى أنه من سنن الوضوء بإطلاق ، وإن تيقن طهارة اليد ، وهو مشهور مذهب غسل اليد قبل إدخالها في إناء الوضوء مالك . وقيل : إنه مستحب للشاك في طهارة يده ; وهو أيضا مروي عن والشافعي مالك . وقيل : إن غسل اليد واجب على المنتبه من النوم ، وبه قال داود وأصحابه . وفرق قوم بين نوم الليل ونوم النهار ، فأوجبوا ذلك في نوم الليل ولم يوجبوه في نوم النهار ، وبه قال أحمد ، فتحصل في ذلك أربعة أقوال : قول : إنه سنة بإطلاق ، وقول : إنه استحباب للشاك ، وقول : إنه واجب على المنتبه من نوم ، وقول : إنه واجب على المنتبه من نوم الليل دون نوم النهار .
والسبب في اختلافهم في ذلك اختلافهم في مفهوم الثابت من حديث أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " أبي هريرة " وفي بعض رواياته " فليغسلها ثلاثا " . إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها الإناء ، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده
فمن لم ير بين الزيادة الواردة في هذا الحديث على ما في آية الوضوء معارضة ، وبين آية الوضوء - حمل لفظ الأمر ههنا على ظاهره من الوجوب ، وجعل ذلك فرضا من فروض الوضوء .
ومن فهم من هؤلاء من لفظ البيات نوم الليل أوجب ذلك من نوم الليل فقط ، ومن لم يفهم منه ذلك ، وإنما فهم منه النوم فقط أوجب ذلك على كل مستيقظ من النوم نهارا أو ليلا .
ومن رأى أن بين هذه الزيادة والآية تعارضا إذ كان ظاهر الآية المقصود منه حصر فروض الوضوء - كان وجه الجمع بينهما عنده أن يخرج لفظ الأمر عن ظاهره الذي هو الوجوب إلى الندب ، ومن تأكد عنده هذا الندب لمثابرته - عليه الصلاة والسلام - على ذلك ، قال : إنه من جنس السنن ، ومن لم يتأكد عنده هذا الندب قال إن ذلك من جنس المندوب المستحب ، وهؤلاء غسل اليد عندهم بهذه الحال إذا تيقنت طهارتها : ( أعني من يقول إن ذلك سنة ، ومن يقول إنه ندب ) .
ومن لم يفهم من هؤلاء من هذا الحديث علة توجب عنده أن يكون من باب الخاص أريد به العام ، كان ذلك عنده مندوبا للمستيقظ من النوم فقط ، ومن فهم منه علة الشك وجعله من باب الخاص أريد به العام كان ذلك عنده للشاك ; لأنه في معنى النائم ، والظاهر من هذا الحديث أنه لم يقصد به حكم اليد في الوضوء ، وإنما قصد به حكم الماء الذي يتوضأ به ، إذا كان الماء مشترطا فيه الطهارة ، وأما ما نقل من غسله - صلى الله عليه وسلم - يديه قبل إدخالهما في الإناء في أكثر أحيانه ، فيحتمل أن يكون من حكم اليد لا أن يكون غسلها في الابتداء من أفعال الوضوء ، ويحتمل أن يكون من حكم الماء ، ( أعني أن لا ينجس أو يقع فيه شك إن قلنا إن الشك مؤثر ) .