الباب الثاني
في معرفة الأذان والإقامة .
هذا الباب ينقسم أيضا إلى فصلين : الأول : في الأذان .
[ ص: 91 ] والثاني في الإقامة .
الفصل الأول .
[ الأذان ]
هذا الفصل ينحصر الكلام فيه في خمسة أقسام : الأول : صفته . الثاني : في حكمه . الثالث : في وقته . الرابع : في شروطه . الخامس : فيما يقوله السامع له .
القسم الأول من الفصل الأول من الباب الثاني
في صفة الأذان
اختلف العلماء في الأذان على أربع صفات مشهورة : إحداها : تثنية التكبير فيه وتربيع الشهادتين وباقيه مثنى ، وهو مذهب أهل المدينة مالك ، وغيره ، واختار المتأخرون من أصحاب مالك الترجيع ، وهو أن يثني الشهادتين أولا خفيا ، ثم يثنيهما مرة ثانية مرفوع الصوت .
والصفة الثانية : أذان المكيين ، وبه قال ، وهو تربيع التكبير الأول والشهادتين وتثنية باقي الأذان ، والصفة الثالثة : أذان الكوفيين ، وهو تربيع التكبير الأول ، وتثنية باقي الأذان ، وبه قال الشافعي أبو حنيفة .
والصفة الرابعة : أذان البصريين ، وهو تربيع التكبير الأول وتثليث الشهادتين وحي على الصلاة وحي على الفلاح ، ويبدأ بأشهد أن لا إله إلا الله حتى يصل إلى حي على الفلاح ، ثم يعيد كذلك مرة ثانية : ( أعني : الأربع كلمات تبعا ) ثم يعيدهن ثالثة ، وبه قال الحسن البصري . وابن سيرين
والسبب في اختلاف كل واحد من هؤلاء الأربع فرق اختلاف الآثار في ذلك ، واختلاف اتصال العمل عند كل واحد منهم ، وذلك أن المدنيين يحتجون لمذهبهم بالعمل المتصل بذلك في المدينة ، والمكيون كذلك أيضا يحتجون بالعمل المتصل عندهم بذلك ، وكذلك الكوفيون والبصريون ولكل واحد منهم آثار تشهد لقوله .
أما تثنية التكبير في أوله على مذهب أهل الحجاز فروي من طرق صحاح عن أبي محذورة ، وتربيعه أيضا مروي عن وعبد الله بن زيد الأنصاري من طرق أخر وعن أبي محذورة . عبد الله بن زيد
قال : وهي زيادات يجب قبولها مع اتصال العمل بذلك الشافعي بمكة .
وأما الترجيع الذي اختاره المتأخرون من أصحاب مالك فروي من طريق أبي قدامة : قال أبو عمر : وأبو قدامة عندهم ضعيف .
وأما الكوفيون فبحديث أبي ليلى وفيه " أن رأى في المنام رجلا قام على خرم حائط ، وعليه [ ص: 92 ] بردان أخضران ، فأذن مثنى ، وأقام مثنى ، وأنه أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام عبد الله بن زيد بلال فأذن مثنى ، وأقام مثنى " والذي خرجه في هذا الباب إنما هو من حديث البخاري أنس فقط وهو " أن بلالا أمر أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا : قد قامت الصلاة ، فإنه يثنيها " وخرج مسلم عن على صفة أذان الحجازيين ، ولمكان هذا التعارض الذي ورد في الأذان رأى أبي محذورة أحمد بن حنبل وداود أن هذه الصفات المختلفة إنما وردت على التخيير لا على إيجاب واحدة منها ، وأن الإنسان مخير فيها ، واختلفوا في هل يقال فيها أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنه يقال ذلك فيها . قول المؤذن في صلاة الصبح الصلاة خير من النوم
وقال آخرون : إنه لا يقال ; لأنه ليس من الأذان المسنون ، وبه قال . الشافعي
وسبب اختلافهم : اختلافهم هل قيل ذلك في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إنما قيل في زمان عمر ؟ .