الباب الثالث  
في موجبات الخيار في النكاح .  
- وموجبات الخيار أربعة : العيوب ، والإعسار بالصداق أو بالنفقة والكسوة ، والثالث : الفقد : ( أعني : فقد الزوج ) . والرابع : العتق للأمة المزوجة . فينعقد في هذا الباب أربعة فصول :  
 [ ص: 434 ] الفصل الأول  
في خيار العيوب  
- اختلف العلماء في  موجب الخيار بالعيوب لكل واحد من الزوجين   ، وذلك في موضعين :  
أحدهما : هل يرد بالعيوب أو لا يرد ؟ .  
والموضع الثاني : إذا قلنا إنه يرد فمن أيها يرد ، وما حكم ذلك ؟ .  
فأما الموضع الأول : فإن  مالكا  ،   والشافعي  وأصحابهما قالوا : العيوب توجب الخيار في الرد أو الإمساك . وقال أهل الظاهر : لا توجب خيار الرد والإمساك ، وهو قول   عمر بن عبد العزيز     .  
وسبب اختلافهم شيئان : أحدهما : هل قول الصاحب حجة ، والآخر : قياس النكاح في ذلك على البيع ؟ .  
فأما قول الصاحب الوارد في ذلك : فهو ما روي عن   عمر بن الخطاب  أنه قال : ( أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص ) وفي بعض الروايات : ( أو قرن فلها صداقها كاملا ، وذلك غرم لزوجها على وليها     ) .  
وأما القياس على البيع : فإن القائلين بموجب الخيار للعيب في النكاح ، قالوا : النكاح في ذلك شبيه بالبيع . وقال المخالفون لهم : ليس شبيها بالبيع لاجتماع المسلمين على أنه لا يرد النكاح بكل عيب ، ويرد به البيع .  
وأما الموضع الثاني في الرد بالعيوب : فإنهم اختلفوا في أي العيوب يرد بها ، وفي أيها لا يرد ، وفي حكم الرد ؟ .  
فاتفق  مالك  ،   والشافعي  على أن الرد يكون من أربعة عيوب : الجنون والجذام والبرص وداء الفرج الذي يمنع الوطء : إما قرن أو رتق في المرأة أو عنة في الرجل أو خصاء .  
واختلف أصحاب  مالك  في أربع : في السواد ، والقرع ، وبخر الفرج ، وبخر الفم ، فقيل ترد بها ، وقيل لا ترد .  
وقال  أبو حنيفة  وأصحابه   والثوري     : لا ترد المرأة في النكاح إلا بعيبين فقط : القرن والرتق .  
فأما أحكام الرد فإن القائلين بالرد اتفقوا على أن الزوج إذا علم بالعيب قبل الدخول طلق ولا شيء عليه .  
واختلفوا إن علم بعد الدخول والمسيس . فقال  مالك     : إن كان وليها الذي زوجها ممن يظن به لقربه منها أنه عالم بالعيب مثل الأب والأخ فهو غار يرجع عليه الزوج بالصداق ، وليس يرجع على المرأة بشيء ، وإن كان بعيدا رجع الزوج على المرأة بالصداق كله إلا ربع دينار فقط . وقال   الشافعي     : إن دخل لزمه الصداق كله بالمسيس ولا رجوع له عليها ولا على ولي .  
وسبب اختلافهم : تردد تشبيه النكاح بالبيع ، أو بالنكاح الفاسد الذي وقع فيه المسيس ( أعني : اتفاقهم على وجوب المهر في الأنكحة الفاسدة بنفس المسيس ) لقوله عليه الصلاة والسلام : "  أيما امرأة نكحت بغير إذن سيدها فنكاحها باطل ، ولها المهر بما استحل منها     " . فكان موضع الخلاف : تردد هذا الفسخ بين      [ ص: 435 ] حكم الرد بالعيب في البيوع ، وبين حكم الأنكحة المفسوخة ( أعني : بعد الدخول ) .  
واتفق الذين قالوا بفسخ نكاح العنين أنه لا يفسخ حتى يؤجل سنة يخلى بينه وبينها بغير عائق .  
واختلف أصحاب  مالك  في العلة التي من أجلها قصر الرد على هذه العيوب الأربعة : فقيل لأن ذلك شرع غير معلل . وقيل : لأن ذلك مما يخفى ، ومحمل سائر العيوب على أنها مما لا تخفى . وقيل : لأنها يخاف سرايتها إلى الأبناء ، وعلى هذا التعليل يرد بالسواد والقرع ، وعلى الأول يرد بكل عيب إذا علم أنه مما خفي على الزوج .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					