الباب الخامس
في
nindex.php?page=treesubj&link=10801الأنكحة المنهي عنها بالشرع والأنكحة الفاسدة وحكمها .
- والأنكحة التي ورد النهي فيها مصرحا أربعة : نكاح الشغار ، ونكاح المتعة ، والخطبة على خطبة أخيه ، ونكاح المحلل .
1 - فأما
nindex.php?page=treesubj&link=10806نكاح الشغار فإنهم اتفقوا على أن صفته هو : أن ينكح الرجل وليته رجلا آخر على أن ينكحه الآخر وليته ، ولا صداق بينهما إلا بضع هذه ببضع الأخرى . واتفقوا على أنه نكاح غير جائز لثبوت النهي عنه .
[ ص: 440 ] واختلفوا إذا وقع هل يصحح بمهر المثل أم لا ؟ فقال
مالك : لا يصحح ، ويفسخ أبدا قبل الدخول وبعده ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلا أنه قال : إن سمى لأحدهما صداقا أو لهما معا فالنكاح ثابت بمهر المثل ، والمهر الذي سمياه فاسد . وقال
أبو حنيفة : نكاح الشغار يصح بفرض صداق المثل ، وبه قال
الليث ،
وأحمد ، وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري .
وسبب اختلافهم : هل النهي المعلق بذلك معلل بعدم العوض أو غير معلل ؟ فإن قلنا : غير معلل لزم الفسخ على الإطلاق . وإن قلنا العلة عدم الصداق صح بفرض صداق المثل ، مثل العقد على خمر أو على خنزير .
وقد أجمعوا على أن النكاح المنعقد على الخمر والخنزير لا يفسخ إذا فات بالدخول ، ويكون فيه مهر المثل .
وكأن
مالكا رضي الله عنه رأى أن الصداق وإن لم يكن من شرط صحة العقد - ففساد العقد هاهنا من قبل فساد الصداق - مخصوص لتعلق النهي به ، أو رأى أن النهي إنما يتعلق بنفس تعيين العقد ، والنهي يدل على فساد المنهي .
2 - وأما
nindex.php?page=treesubj&link=10926نكاح المتعة : فإنه وإن تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريمه ، إلا أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم ، ففي بعض الروايات : أنه حرمها يوم
خيبر ، وفي بعضها : يوم الفتح ، وفي بعضها : في غزوة
تبوك ، وفي بعضها : في حجة الوداع ، وفي بعضها : في عمرة القضاء ، وفي بعضها : في عام أوطاس . وأكثر الصحابة وجميع فقهاء الأمصار على تحريمها .
واشتهر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس تحليلها ، وتبع
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على القول بها أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن ، ورووا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كان يحتج لذلك لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم ) وفي حرف عنه : إلى أجل مسمى ، وروي عنه أنه قال : ما كانت المتعة إلا رحمة من الله عز وجل رحم بها أمة
محمد صلى الله عليه وسلم ، ولولا نهي
عمر عنها ما اضطر إلى الزنا إلا شقي . وهذا الذي روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رواه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار . وعن
عطاء قال : " سمعت
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006520جابر بن عبد الله يقول : " تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ونصفا من خلافة عمر ، ثم نهى عنها عمر الناس " .
3 - وأما اختلافهم في النكاح الذي تقع فيه الخطبة على خطبه غيره : فقد تقدم أن فيه ثلاثة أقوال : قول بالفسخ ، وقول بعدم الفسخ . وفرق بين أن ترد الخطبة على خطبة الغير بعد الركون والقرب من التمام ، أو لا ترد ، وهو مذهب
مالك .
4 - وأما
nindex.php?page=treesubj&link=10936_10938نكاح المحلل ( أعني : الذي يقصد بنكاحه تحليل المطلقة ثلاثا ) : فإن
مالكا قال : هو نكاح مفسوخ . وقال
أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : هو نكاح صحيح .
وسبب اختلافهم : اختلافهم في مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006521لعن الله المحلل " الحديث .
فمن فهم من اللعن التأثيم فقط قال : النكاح صحيح . ومن فهم من التأثيم فساد العقل تشبيها بالنهي الذي يدل على فساد المنهي عنه قال : النكاح فاسد . فهذه هي الأنكحة الفاسدة بالنهي .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=11405_11404الأنكحة الفاسدة بمفهوم الشرع : فإنها تفسد إما بإسقاط شرط من شروط صحة النكاح ، أو لتغيير
[ ص: 441 ] حكم واجب بالشرع من أحكامه مما هو عن الله عز وجل ، وإما بزيادة تعود إلى إبطال شرط من شروط الصحة .
وأما الزيادات التي تعرض من هذا المعنى فإنها لا تفسد النكاح باتفاق .
وإنما اختلف العلماء في لزوم الشروط التي بهذه الصفة أو لا لزومها ، مثل أن يشترط عليه أن لا يتزوج عليها ، أو لا يتسرى ، أو لا ينقلها من بلدها ، فقال
مالك : إن اشترط ذلك لم يلزمه إلا أن يكون في ذلك يمين بعتق أو طلاق ، فإن ذلك يلزمه ، إلا أن يطلق أو يعتق من أقسم عليه ، فلا يلزم الشرط الأول أيضا ، وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأبو حنيفة . وقال الأوزاعي
nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة : لها شرطها وعليه الوفاء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب : كان من أدركت من العلماء يقضون بها . وقول الجماعة مروي عن
علي ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي مروي عن
عمر .
وسبب اختلافهم : معارضة العموم للخصوص .
فأما العموم : فحديث
عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس ، فقال في خطبته : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006522كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، ولو كان مائة شرط " .
وأما الخصوص : فحديث
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006523أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج " . والحديثان صحيحان خرجهما
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم ، إلا أن المشهور عند الأصوليين القضاء بالخصوص على العموم ، وهو لزوم الشروط ، وهو ظاهر ما وقع في العتبية ، وإن كان المشهور خلاف ذلك .
وأما الشروط المقيدة بوضع من الصداق فإنه قد اختلف فيها المذهب اختلافا كثيرا ( أعني : في لزومها ، أو عدم لزومها ) ، وليس كتابنا هذا موضوعا على الفروع .
وأما حكم الأنكحة الفاسدة إذا وقعت :
فمنها : ما اتفقوا على فسخه قبل الدخول وبعده ، وهو ما كان منها فاسدا بإسقاط شرط متفق على وجوب صحة النكاح بوجوده ، مثل أن ينكح محرمة العين .
ومنها : ما اختلفوا فيه بحسب اختلافهم في ضعف علة الفساد وقوتها ، ولماذا يرجع من الإخلال بشروط الصحة ،
ومالك في هذا الجنس - وذلك في الأكثر - يفسخه قبل الدخول ، ويثبته بعده ، والأصل فيه عنده : أن لا فسخ ، ولكنه يحتاط بمنزلة ما يرى في كثير من البيع الفاسد أنه يفوت بحوالة الأسواق وغير ذلك ، ويشبه أن تكون هذه عنده هي الأنكحة المكروهة ، وإلا فلا وجه للفرق بين الدخول وعدم الدخول ، والاضطراب في المذهب في هذا الباب كثير ، وكأن هذا راجع عنده إلى قوة دليل الفسخ وضعفه ، فمتى كان الدليل عنده قويا فسخ قبله وبعده ، ومتى كان ضعيفا فسخ قبل ولم يفسخ بعد ، وسواء كان الدليل القوي متفقا عليه أو مختلفا فيه .
ومن قبل هذا أيضا اختلف المذهب في وقوع الميراث في الأنكحة الفاسدة إذا وقع الموت قبل الفسخ ، وكذلك وقوع الطلاق فيه ، فمرة اعتبر فيه الاختلاف والاتفاق ، ومرة اعتبر فيه الفسخ بعد الدخول أو عدمه ، وقد نرى أن نقطع هاهنا القول في هذا الكتاب ، فإن ما ذكرنا منه كفاية بحسب غرضنا المقصود .
الْبَابُ الْخَامِسُ
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10801الْأَنْكِحَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا بِالشَّرْعِ وَالْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ وَحُكْمِهَا .
- وَالْأَنْكِحَةُ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ فِيهَا مُصَرَّحًا أَرْبَعَةٌ : نِكَاحُ الشِّغَارِ ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ ، وَالْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ، وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ .
1 - فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10806نِكَاحُ الشِّغَارِ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صِفَتَهُ هُوَ : أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ وَلِيَّتَهُ رَجُلًا آخَرَ عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ ، وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بُضْعَ هَذِهِ بِبُضْعِ الْأُخْرَى . وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ نِكَاحٌ غَيْرُ جَائِزٍ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ .
[ ص: 440 ] وَاخْتَلَفُوا إِذَا وَقَعَ هَلْ يُصَحَّحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ
مَالِكٌ : لَا يُصَحَّحُ ، وَيُفْسَخُ أَبَدًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : إِنْ سَمَّى لِأَحَدِهِمَا صَدَاقًا أَوْ لَهُمَا مَعًا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَالْمَهْرُ الَّذِي سَمَّيَاهُ فَاسِدٌ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : نِكَاحُ الشِّغَارِ يَصِحُّ بِفَرْضِ صَدَاقِ الْمِثْلِ ، وَبِهِ قَالَ
اللَّيْثُ ،
وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَالطَّبَرِيُّ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : هَلِ النَّهْيُ الْمُعَلَّقُ بِذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ الْعِوَضِ أَوْ غَيْرُ مُعَلَّلٍ ؟ فَإِنْ قُلْنَا : غَيْرُ مُعَلَّلٍ لَزِمَ الْفَسْخُ عَلَى الْإِطْلَاقِ . وَإِنْ قُلْنَا الْعِلَّةُ عَدَمُ الصَّدَاقِ صَحَّ بِفَرْضِ صَدَاقِ الْمِثْلِ ، مِثْلَ الْعَقْدِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ عَلَى خِنْزِيرٍ .
وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ الْمُنْعَقِدَ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يُفْسَخُ إِذَا فَاتَ بِالدُّخُولِ ، وَيَكُونُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَكَأَنَّ
مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى أَنَّ الصَّدَاقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ - فَفَسَادُ الْعَقْدِ هَاهُنَا مِنْ قِبَلِ فَسَادِ الصَّدَاقِ - مَخْصُوصٌ لِتَعَلُّقِ النَّهْيِ بِهِ ، أَوْ رَأَى أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ تَعْيِينِ الْعَقْدِ ، وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ .
2 - وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10926نِكَاحُ الْمُتْعَةِ : فَإِنَّهُ وَإِنْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيمِهِ ، إِلَّا أَنَّهَا اخْتَلَفَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّحْرِيمُ ، فَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ : أَنَّهُ حَرَّمَهَا يَوْمَ
خَيْبَرَ ، وَفِي بَعْضِهَا : يَوْمَ الْفَتْحِ ، وَفِي بَعْضِهَا : فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ ، وَفِي بَعْضِهَا : فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَفِي بَعْضِهَا : فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ ، وَفِي بَعْضِهَا : فِي عَامِ أَوْطَاسَ . وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِهَا .
وَاشْتُهِرَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ تَحْلِيلُهَا ، وَتَبِعَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ ، وَرَوَوْا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَحْتَجُّ لِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) وَفِي حَرْفٍ عَنْهُ : إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : مَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ إِلَّا رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَحِمَ بِهَا أُمَّةَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْلَا نَهْيُ
عُمَرَ عَنْهَا مَا اضْطُرَّ إِلَى الزِّنَا إِلَّا شَقِيٌّ . وَهَذَا الَّذِي رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ nindex.php?page=showalam&ids=16705وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ . وَعَنْ
عَطَاءٍ قَالَ : " سَمِعْتُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006520جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : " تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَنِصْفًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ، ثُمَّ نَهَى عَنْهَا عُمَرُ النَّاسَ " .
3 - وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي النِّكَاحِ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الْخِطْبَةُ عَلَى خَطْبِهِ غَيْرِهِ : فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ : قَوْلٌ بِالْفَسْخِ ، وَقَوْلٌ بِعَدَمِ الْفَسْخِ . وَفُرِّقَ بَيْنَ أَنْ تَرِدَ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ بَعْدَ الرُّكُونِ وَالْقُرْبِ مِنَ التَّمَامِ ، أَوْ لَا تَرِدَ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
مَالِكٍ .
4 - وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10936_10938نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ ( أَعْنِي : الَّذِي يَقْصِدُ بِنِكَاحِهِ تَحْلِيلَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ) : فَإِنَّ
مَالِكًا قَالَ : هُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : هُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006521لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ " الْحَدِيثَ .
فَمَنْ فَهِمَ مِنَ اللَّعْنِ التَّأْثِيمَ فَقَطْ قَالَ : النِّكَاحُ صَحِيحٌ . وَمَنْ فَهِمَ مِنَ التَّأْثِيمِ فَسَادَ الْعَقْلِ تَشْبِيهًا بِالنَّهْيِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَالَ : النِّكَاحُ فَاسِدٌ . فَهَذِهِ هِيَ الْأَنْكِحَةُ الْفَاسِدَةَ بِالنَّهْيِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=11405_11404الْأَنْكِحَةُ الْفَاسِدَةُ بِمَفْهُومِ الشَّرْعِ : فَإِنَّهَا تَفْسُدُ إِمَّا بِإِسْقَاطِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ ، أَوْ لِتَغْيِيرِ
[ ص: 441 ] حُكْمٍ وَاجِبٍ بِالشَّرْعِ مِنْ أَحْكَامِهِ مِمَّا هُوَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِمَّا بِزِيَادَةٍ تَعُودُ إِلَى إِبْطَالِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ .
وَأَمَّا الزِّيَادَاتُ الَّتِي تَعْرِضُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّهَا لَا تُفْسِدُ النِّكَاحَ بِاتِّفَاقٍ .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي لُزُومِ الشُّرُوطِ الَّتِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَوْ لَا لُزُومِهَا ، مِثْلَ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ، أَوْ لَا يَتَسَرَّى ، أَوْ لَا يَنْقُلَهَا مِنْ بَلَدِهَا ، فَقَالَ
مَالِكٌ : إِنِ اشْتُرِطَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ ، إِلَّا أَنْ يُطَلِّقَ أَوْ يَعْتِقَ مَنْ أَقْسَمَ عَلَيْهِ ، فَلَا يَلْزَمُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ
nindex.php?page=showalam&ids=16438وَابْنُ شُبْرُمَةَ : لَهَا شَرْطُهَا وَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابْنُ شِهَابٍ : كَانَ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَقْضُونَ بِهَا . وَقَوْلُ الْجَمَاعَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ
عَلِيٍّ ، وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيِّ مَرْوِيٌّ عَنْ
عُمَرَ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : مُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِلْخُصُوصِ .
فَأَمَّا الْعُمُومُ : فَحَدِيثُ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006522كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ " .
وَأَمَّا الْخُصُوصُ : فَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=27عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006523أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ " . وَالْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ خَرَّجَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، إِلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ الْقَضَاءُ بِالْخُصُوصِ عَلَى الْعُمُومِ ، وَهُوَ لُزُومُ الشُّرُوطِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا وَقَعَ فِي الْعُتْبِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ خِلَافَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الشُّرُوطُ الْمُقَيَّدَةُ بِوَضْعٍ مِنَ الصَّدَاقِ فَإِنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا الْمَذْهَبُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ( أَعْنِي : فِي لُزُومِهَا ، أَوْ عَدَمِ لُزُومِهَا ) ، وَلَيْسَ كِتَابُنَا هَذَا مَوْضُوعًا عَلَى الْفُرُوعِ .
وَأَمَّا حُكْمُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إِذَا وَقَعَتْ :
فَمِنْهَا : مَا اتَّفَقُوا عَلَى فَسْخِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ، وَهُوَ مَا كَانَ مِنْهَا فَاسِدًا بِإِسْقَاطِ شَرْطٍ مُتَّفَقٍ عَلَى وُجُوبِ صِحَّةِ النِّكَاحِ بِوُجُودِهِ ، مِثْلَ أَنْ يَنْكِحَ مُحَرَّمَةَ الْعَيْنِ .
وَمِنْهَا : مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي ضَعْفِ عِلَّةِ الْفَسَادِ وَقُوَّتِهَا ، وَلِمَاذَا يَرْجِعُ مِنَ الْإِخْلَالِ بِشُرُوطِ الصِّحَّةِ ،
وَمَالِكٌ فِي هَذَا الْجِنْسِ - وَذَلِكَ فِي الْأَكْثَرِ - يَفْسَخُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَيُثْبِتُهُ بَعْدَهُ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَهُ : أَنْ لَا فَسْخَ ، وَلَكِنَّهُ يَحْتَاطُ بِمَنْزِلَةِ مَا يَرَى فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ يَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَيُشْبِهُ أَنَّ تَكُونَ هَذِهِ عِنْدَهُ هِيَ الْأَنْكِحَةَ الْمَكْرُوهَةَ ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الدُّخُولِ وَعَدَمِ الدُّخُولِ ، وَالِاضْطِرَابُ فِي الْمَذْهَبِ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرٌ ، وَكَأَنَّ هَذَا رَاجِعٌ عِنْدَهُ إِلَى قُوَّةِ دَلِيلِ الْفَسْخِ وَضَعْفِهِ ، فَمَتَى كَانَ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ قَوِيًّا فُسِخَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ ، وَمَتَى كَانَ ضَعِيفًا فُسِخَ قَبْلُ وَلَمْ يُفْسِخْ بَعْدُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّلِيلُ الْقَوِيُّ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ .
وَمِنْ قِبَلِ هَذَا أَيْضًا اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي وُقُوعِ الْمِيرَاثِ فِي الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إِذَا وَقَعَ الْمَوْتُ قَبْلَ الْفَسْخِ ، وَكَذَلِكَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِ ، فَمَرَّةً اعْتُبِرَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَالِاتِّفَاقُ ، وَمَرَّةً اعْتُبِرَ فِيهِ الْفَسْخُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ عَدَمِهِ ، وَقَدْ نَرَى أَنْ نَقْطَعَ هَاهُنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا الْكِتَابِ ، فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْهُ كِفَايَةٌ بِحَسِبِ غَرَضِنَا الْمَقْصُودِ .