[ ص: 589 ] الباب الثاني
في مسائل الشروط
وجملة ما لا يجوز من الشروط عند الجميع هي ما أدى عندهم إلى غرر أو إلى مجهلة زائدة . ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أن ذلك لا يجوز; لأنه يصير ذلك الذي انعقد عليه القراض مجهولا ، وهذا هو الأصل عند اشترط أحدهما لنفسه من الربح شيئا زائدا غير ما انعقد عليه القراض مالك في أن لا يكون مع القراض بيع ، ولا كراء ، ولا سلف ، ولا عمل ، ولا مرفق يشترطه أحدهما لصاحبه مع نفسه ، فهذه جملة ما اتفقوا عليه وإن كانوا قد اختلفوا في التفصيل .
فمن ذلك : اختلافهم إذا شرط العامل الربح كله له : فقال مالك : يجوز ، وقال : لا يجوز ، وقال الشافعي أبو حنيفة : هو قرض لا قراض .
فمالك رأى أنه إحسان من رب المال ، وتطوع; إذ كان يجوز له أن يأخذ منه الجزء القليل من المال الكثير . رأى أنه غرر; لأنه إن كان خسران فعلى رب المال وبهذا يفارق القرض ، وإن كان ربح فليس لرب المال فيه شيء . والشافعي
ومنها : إذا شرط رب المال الضمان على العامل ، فقال مالك : لا يجوز القراض وهو فاسد ، وبه قال . وقال الشافعي أبو حنيفة ، وأصحابه : القراض جائز ، والشرط باطل .
وعمدة مالك : أن اشتراط الضمان زيادة غرر في القراض ففسد . وأما أبو حنيفة فشبهه بالشرط الفاسد في البيع على رأيه أن البيع جائز ، والشرط باطل اعتمادا على حديث المتقدم . بريرة
واختلفوا في ، مثل أن يشترط عليه تعيين جنس ما من السلع ، أو تعيين جنس ما من البيع ، أو تعيين موضع ما من التجارة ، أو تعيين صنف ما من الناس يتجر معهم : المقارض يشترط رب المال عليه خصوص التصرف
فقال مالك ، في اشتراط جنس من السلع : لا يجوز ذلك إلا أن يكون ذلك الجنس من السلع لا يختلف وقتا ما من أوقات السنة . والشافعي
وقال أبو حنيفة : يلزمه ما اشترط عليه ، وإن تصرف في غير ما اشترط عليه ضمن .
فمالك ، : رأيا أن هذا الاشتراط من باب التضييق على المقارض فيعظم الغرر بذلك; والشافعي وأبو حنيفة استخف الغرر الموجود في ذلك ، كما لو اشترط عليه أن لا يشتري جنسا ما من السلع لكان على شرطه في ذلك بإجماع .
ولا يجوز عند الجمهور ، وأجازه القراض المؤجل أبو حنيفة إلا أن يتفاسخا .
فمن لم يجزه رأى أن في ذلك تضييقا على العامل يدخل عليه مزيد غرر; لأنه ربما بارت عنده سلع فيضطر عند بلوغ الأجل إلى بيعها ، فيلحقه في ذلك ضرر . ومن أجاز الأجل شبه القراض بالإجارة .
ومن هذا الباب : اختلافهم في جواز ، فقال اشتراط رب المال زكاة الربح على العامل في حصته من الربح مالك في الموطأ : لا يجوز ، ورواه عنه أشهب . وقال ابن القاسم : ذلك جائز ، ورواه عن مالك ، وبقول مالك قال . الشافعي
[ ص: 590 ] وحجة من لم يجزه : أنه تعود حصة العامل ورب المال مجهولة; لأنه لا يدري كم يكون المال في حين وجوب الزكاة فيه ، وتشبيها باشتراط زكاة أصل المال عليه ( أعني : على العامل ) ، فإنه لا يجوز باتفاق .
وحجة ابن القاسم : أنه يرجع إلى جزء معلوم النسبة ، وإن لم يكن معلوم القدر; لأن الزكاة معلومة النسبة من المال المزكى ، فكأنه اشترط عليه في الربح الثلث إلا ربع العشر ، أو النصف إلا ربع العشر ، أو الربع إلا ربع العشر ، وذلك جائز وليس مثل اشتراطه زكاة رأس المال; لأن ذلك معلوم القدر غير معلوم النسبة ، فكان ممكنا أن يحيط بالربح ، فيبقى عمل المقارض باطلا .
وهل يجوز أن يشترط ذلك المقارض على رب المال ؟ في المذهب فيه قولان : قيل : بالفرق بين العامل ، ورب المال ، وقيل : يجوز أن يشترطه العامل على رب المال ، ولا يجوز أن يشترطه رب المال على العامل . وقيل عكس هذا .
واختلفوا في اشتراط العامل على رب المال غلاما بعينه على أن يكون للغلام نصيب من المال ، فأجازه مالك ، ، والشافعي وأبو حنيفة . وقال أشهب من أصحاب مالك : لا يجوز ذلك .
فمن أجاز ذلك شبهه بالرجل يقارض الرجلين ، ومن لم يجز ذلك رأى أنها زيادة ازدادها العامل على رب المال .
فأما إن اشترط العامل غلامه ، فقال : لا يجوز ، وللغلام فيما عمل أجرة المثل ، وذلك أن حظ العامل يكون عنده مجهولا . الثوري