[ القسم الأول ]  
[ القول في العفو ]  
والنظر في العفو في شيئين :  
 [ ص: 723 ] أحدهما : فيمن له العفو ممن ليس له ، وترتيب أهل الدم في ذلك .  
ثانيهما : وهل يكون له العفو على الدية أم لا ؟ وقد تكلمنا في هل له العفو على الدية ؟  
وأما  من لهم العفو   بالجملة فهم الذين لهم القيام بالدم ، والذين لهم القيام بالدم هم العصبة عند  مالك  وعند غيره : كل من يرث ، وذلك أنهم أجمعوا على أن المقتول عمدا إذا كان له بنون بالغون فعفا أحدهم أن القصاص قد بطل ووجبت الدية . واختلفوا في اختلاف البنات مع البنين في العفو أو في القصاص . وكذلك الزوجة أو الزوج والأخوات ، فقال  مالك     : ليس للبنات ولا الأخوات قول مع البنين والإخوة في القصاص أو ضده ، ولا يعتبر قولهن مع الرجال ، وكذلك الأمر في الزوجة والزوج ، وقال  أبو حنيفة  ،   والثوري  ،  وأحمد   والشافعي  كل وارث يعتبر قوله في إسقاط القصاص وفي إسقاط حظه من الدية ، وفي الأخذ به قال   الشافعي     : الغائب منهم والحاضر والصغير والكبير سواء .  
وعمدة هؤلاء اعتبارهم الدم بالدية . وعمدة الفريق الأول أن الولاية إنما هي للذكران دون الإناث .  
واختلف العلماء في المقتول عمدا إذا عفا عن دمه قبل أن يموت هل ذلك جائز على الأولياء ؟ وكذلك في المقتول خطأ إذا عفا عن الدية ، فقال قوم : إذا عفا المقتول عن دمه في العمد مضى ذلك ، وممن قال بذلك  مالك  ،  وأبو حنيفة   والأوزاعي  ، وهذا أحد قولي   الشافعي  ، وقالت طائفة أخرى : لا يلزم عفوه ، وللأولياء القصاص أو العفو ، وممن قال به   أبو ثور  ،  وداود  ، وهو قول   الشافعي  بالعراق      .  
وعمدة هذه الطائفة أن الله خير الولي في ثلاث : إما العفو ، وإما القصاص ، وإما الدية . وذلك عام في كل مقتول سواء عفا عن دمه قبل الموت أو لم يعف .  
وعمدة الجمهور أن الشيء الذي جعل للولي إنما هو حق المقتول ، فناب فيه منابه ، وأقيم مقامه ، فكان المقتول أحق بالخيار من الذي أقيم مقامه بعد موته . وقد أجمع العلماء على أن قوله تعالى : (  فمن تصدق به فهو كفارة له      ) أن المراد بالمتصدق هاهنا هو المقتول يتصدق بدمه . وإنما اختلفوا على من يعود الضمير في قوله : (  فهو كفارة له      ) فقيل على القاتل لمن رأى له توبة ، وقيل على المقتول من ذنوبه وخطاياه .  
وأما اختلافهم في عفو المقتول خطأ عن الدية ، فقال :  مالك   والشافعي  وأبو حنيفة  وجمهور فقهاء الأمصار : إن عفوه من ذلك في ثلثه إلا أن يجيزه الورثة ، وقال قوم : يجوز في جميع ماله ، وممن قال به   طاوس  ،  والحسن     .  
وعمدة الجمهور أنه واهب مالا له بعد موته فلم يجز إلا في الثلث ، أصله الوصية . وعمدة الفرقة الثانية أنه إذا كان له أن يعفو عن الدم فهو أحرى أن يعفو عن المال ، وهذه المسألة هي أخص بكتاب الديات .  
واختلف العلماء إذا عفا المجروح عن الجراحات ، فمات منها هل للأولياء أن يطالبوا بدمه أم لا ؟ فقال  مالك     : لهم ذلك إلا أن يقول عفوت عن الجراحات وعما تئول إليه ، وقال  أبو يوسف  ،  ومحمد     : إذا عفا عن الجراحة ومات فلا حق لهم ، والعفو عن الجراحات عفو عن الدم ، وقال قوم : بل تلزمهم الدية إذا عفا عن الجراحات مطلقا ، وهؤلاء اختلفوا :  
 [ ص: 724 ] فمنهم من قال : تلزم الجارح الدية كلها ، واختاره  المزني  من أقوال   الشافعي  ، ومنهم من قال : يلزم من الدية ما بقي منها بعد إسقاط دية الجرح الذي عفا عنه ، وهو قول   الثوري     . وأما من يرى أنه لا يعفو عن الدم فليس يتصور معه خلاف في أنه لا يسقط ذلك طلب الولي الدية ; لأنه إذا كان عفوه عن الدم لا يسقط حق الولي ، فأحرى أن لا يسقط عفوه عن الجرح .  
واختلفوا في القاتل عمدا يعفى عنه ، هل يبقى للسلطان فيه حق أم لا ؟ فقال  مالك  والليث     : إنه يجلد مائة ويسجن سنة ، وبه قال أهل المدينة ، وروي ذلك عن  عمر  ، وقالت طائفة (   الشافعي  وأحمد  ،  وإسحاق  ،   وأبو ثور     ) : لا يجب عليه ذلك ، وقال   أبو ثور     : إلا أن يكون يعرف بالشر فيؤدبه الإمام على قدر ما يرى .  
ولا عمدة للطائفة الأولى إلا أثر ضعيف . وعمدة الطائفة الثانية ظاهر الشرع وأن التحديد في ذلك لا يكون إلا بتوقيف ، ولا توقيف ثابت في ذلك .  
				
						
						
