[ ص: 280 ] الثالثة : نسخ الأمر قبل امتثاله جائز ، نحو قوله في يوم عرفة : لا تحجوا بعد الأمر به ، وخالف المعتزلة .
لنا : مجرد الأمر مفيد أن المأمور يعزم على الامتثال ; فيطيع ، أو المخالفة ; فيعصي ، ومع حصول الفائدة ، لا يمتنع النسخ ، ثم قد نسخ عن إبراهيم الأمر بذبح ولده قبل فعله .
قالوا : الأمر يقتضي حسن الفعل ، ونسخه قبحه ، واجتماعهما محال ، وقصة إبراهيم كانت مناما لا أصل له ، ثم لم يؤمر بالذبح ، بل بالعزم عليه ، أو بمقدماته ، كالإضجاع ، بدليل : قد صدقت ، فافعل ما تؤمر ، ولفظه مستقبل ، ثم لم ينسخ ، بل قلب الله تعالى عنقه نحاسا ; فسقط لتعذره ، أو أنه امتثل ، لكن الجرح التأم حالا فحالا ، واندمل .
والجواب :
إجمالي عام ، وهو : لو صح ما ذكرتم ، لما احتاج إلى فداء ، ولما كان بلاء مبينا .
أو تفصيلي ، أما عن الأول : فاجتماع الحسن والقبح في حال واحدة ممنوع ، بل قبل النسخ حسن ، وبعده قبيح شرعا ، لا عقلا كما تزعمون ، وعن الثاني : أن منام الأنبياء وحي ; فإلغاء اعتباره تهجم ، لا سيما مع تكرره ، والعزم على الذبح ليس بلاء ، والأمر بالمقدمات فقط ، إن علم به إبراهيم ; فكذلك ، وإلا فهو إيهام وتلبيس قبيح ، إذ يشترط معرفة المكلف ما كلف به . وقد صدقت ، معناه : عزمت على فعل ما أمرت به صادقا ; فكان جزاؤك أن خففنا عنك بنسخه . و ما تؤمر ، أي : ما أمرت ، أو ما تؤمر به في الحال ، استصحابا لحال الأمر الماضي قبله ; فلا استقبال ، وإلا لما احتاج إلى الفداء . وقلب عنقه نحاسا لم يتواتر ، وإلا لما اختصصتم بعلمه ، وآحاده لا تفيد ، ثم هو أيضا نسخ ، وكذا التئام الجرح واندماله ، وإلا لاستغنى عن الفداء .
[ ص: 281 ]