[ ص: 428 ] النهي
النهي : اقتضاء كف على جهة الاستعلاء ، وقد اتضح في الأوامر أكثر أحكامه ، إذ لكل حكم منه وازن من الأمر على العكس ، وهو عن السبب المفيد حكما يقتضي فساده مطلقا إلا لدليل ، وقيل : النهي عنه لعينه ، لا لغيره ، لجواز الجهتين ، وقيل : في العبادات دون المعاملات ونحوها ، لجواز : لا تفعل ، فإن فعلت ، ترتب الحكم ، نحو : لا تطأ جارية ولدك ، فإن فعلت صارت أم ولد لك ، ولا تطلق في الحيض فإن فعلت وقع ، ولا تغسل الثوب بماء مغصوب ويطهر إن فعلت ، والفرق من وجهين .
أحدهما : أن العبادة قربة ، وارتكاب النهي معصية ; فيتناقضان بخلاف المعاملات .
الثاني : أن فساد المعاملات بالنهي يضر بالناس لقطع معايشهم أو تقليلها ; فصحت رعاية لمصلحتهم ، وعليهم إثم ارتكاب النهي ، بخلاف العبادات ; فإنها حق الله تعالى ; فتعطيلها لا يضر به ، بل من أوقعها بسبب صحيح ، أطاع ، ومن لا ، عصى ، وأمر الجميع إليه في الآخرة .
وحكي عن أبي حنيفة في آخرين : أن النهي يقتضي الصحة ، لدلالته على تصور المنهي عنه ، فإن أراد الصحة العقلية ، أي : الإمكان الذي هو شرط الوجود ; فنعم ، وإن أراد الشرعية ; فتناقض : إذ معناه النهي الشرعي ، يقتضي صحة المنهي عنه شرعا وهو محال .
وقيل : لا يقتضي فسادا ، ولا صحة ، إذ النهي خطاب تكليفي ، والصحة والفساد إخباري وضعي ، وليس بينهما رابط عقلي ، وإنما تأثير فعل المنهي عنه في الإثم به .
ولنا : على فساده مطلقا قوله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 429 ] ، أي : مردود الذات ، وإجماع الصحابة على استفادة فساد الأحكام من النهي عن أسبابها ، ولأن النهي دليل تعلق المفسدة به في نظر الشارع ، إذ هو حكيم لا ينهى عن مصلحة وإعدام المفسدة مناسب ، ولأن النهي يقتضي اجتنابه ، وتصحيح حكمه يقتضي قربانه ; فيتناقضان ، والشارع بريء من التناقض . من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
والمختار أن النهي عن الشيء لذاته ، أو وصف لازم له مبطل ، ولخارج عنه غير مبطل ، وفيه لوصف غير لازم تردد ، والأولى الصحة .