الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6766 [ ص: 553 ] 35 - باب: إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد

                                                                                                                                                                                                                              7189 - حدثنا محمود ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالدا ح وحدثني نعيم ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى بني جذيمة ، فلم يحسنوا أن يقولوا : أسلمنا ، فقالوا : صبأنا صبأنا ، فجعل خالد يقتل ويأسر ، ودفع إلى كل رجل منا أسيره ، فأمر كل رجل منا أن يقتل أسيره ، فقلت والله لا أقتل أسيري ، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره . فذكرنا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد " . مرتين . [انظر : 4339 - فتح: 13 \ 181 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى بني جذيمة ، فلم يحسنوا أن يقولوا : أسلمنا . . الحديث . سلف في المغازي .

                                                                                                                                                                                                                              وجذيمة : ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة ، أهل الغميضاء بين مكة واليمن .

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : لم ير - عليه السلام - على خالد قودا ؛ لأنه متأول ولم يذكر فيه دية ولا كفارة ، فإما أن يكون ذلك قبل نزول الآية ، أو سقط ذلك عن المحدث ، أو سكت عنه لعلم السامع به .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الخطابي : إنما نقم - عليه السلام - على خالد ؛ لاستعجاله في شأنهم ، وترك التثبت في أمرهم إلى أن يتبين ما أرادوا بقولهم : صبأنا ؛ لأن [ ص: 554 ] الصبأ خروج من دين إلى دين .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : "أبرأ إليك من فعل خالد " على وجه الإنكار عليه ، والتعريف بأنه لم يأذن له في ذلك لئلا يعتقد أن فعل خالد كان بإذنه ، ولينتهي غيره عن مثل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              لم يختلف العلماء أن القاضي إذا قضى بجور أو خلاف أهل العلم فهو مردود ، فإن كان على وجه الاجتهاد والتأويل كما صنع خالد فإن الإثم ساقط فيه ، والضمان لازم في ذلك عند عامة أهل العلم ، إلا أنهم اختلفوا في ضمان ذلك على ما يأتي بيانه .

                                                                                                                                                                                                                              ووجه موافقة الحديث للترجمة قوله - عليه السلام - : "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " . يدل تبرؤه من قتل خالد الذين قالوا : صبأنا أن قتله له حكم منه بغير الحق ؛ لأن الله تعالى يعلم الألسنة كلها ، ويقبل الإيمان من جميع أهل الملل بألسنتهم ، لكن عذره الشارع بالتأويل إذ كل متأول فلا عقوبة عليه ولا إثم .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في ضمان خطأ الحاكم ، فقالت طائفة : إذا أخطأ الحاكم في حكمه في قتل أو جرح فدية ذلك في بيت المال ، هذا قول الثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت أخرى : هو على عاقلة الإمام والحاكم . وهو قول الأوزاعي [ ص: 555 ] وأبي يوسف ومحمد والشافعي ، وليس فيها جواب لمالك [واختلف أصحابه فيها ] . فقال ابن القاسم كقول الأوزاعي وقال في الشاهدين إذا شهدا في دم أو عتق أو طلاق ، [أرى أن يضمنا الدين ] ويكون عليهما قيمة العبد في العتق ، وقصاص القتل في أموالهما . وهو قول أشهب في الشاهدين ، وقال في الأموال : مضمونة بالخطأ كما هي في العمد ، وليست كالدماء ، وهو قول أصبغ .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الماجشون : ليس على الحاكم شيء من الدية في ماله ولا على عاقلته ولا على بيت المال ، وكذلك قال في الشاهدين إذا رجعا عن شهادتهما وادعيا الغلط أنه لا غرم عليهما ، وهو قول محمد بن مسلمة .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن حبيب أن قول ابن الماجشون هو قول المغيرة ، وابن دينار ، وابن أبي حازم وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                                              وحجة من لم يوجب الدية أنه لم يرد في الحديث أنه - عليه السلام - أغرمه الدية ولا غرمها عنه -قلت : صحح الحاكم أنه - عليه السلام - أرسل إليهم عليا فودى قتلاهم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 556 ] وقوله - عليه السلام - : "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر " ولا يجوز أن يؤجر إلا على ما هو بفعله مطيع ، فإذا كان مطيعا فما صدر عنه من [تلف ] نفس أو مال فلا ضمان عليه ، وهو اختيار إسماعيل بن إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                              وحجة من أوجب الضمان والدية : الإجماع على أن الأموال مضمونة بالخطأ كما هي بالعمد ، ولا تسقط الدية في ذلك من أجل أنها لم يذكر في الحديث وجوبه كما لم تسقط في الناقتين عن حمزة حين جب أسنمتهما وبقر خواصرهما ، وإن كان لم يذكر في ذلك الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه جعل عقل المرأة التي أمر برجمها على عاقلته .

                                                                                                                                                                                                                              وروي أن امرأة ذكرت بالزنا عند عمر - رضي الله عنه -[فبعث إليها ] ففزعت وألقت ما في بطنها ، فاستشار الصحابة في ذلك ، فقال له عبد الرحمن وغيره : إنما أنت مؤدب ولا شيء عليك ، فقال لعلي - رضي الله عنه - ما تقول فقال : إن كان اجتهدوا فقد أخطئوا وعليك الدية ، قال عمر - رضي الله عنه - : عزمت عليك لتقسمنها على قومك ، فأوجب علي بحضرة الصحابة الدية ، وألزم بها عمر - رضي الله عنه - ، وقسمها على عاقلته ، والمرأة وإن كانت أسقطت من الفزع فهو من جهته .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 557 ] وليس في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ " دليل على إسقاط الضمان في ذلك ، وإنما فيه سقوط الإثم عن المجتهد وأنه مأجور إن لم يتعمد ذلك الخطأ ، ولا يفهم من الحديث زوال الضمان .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية