الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6596 6997 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، حدثني ابن الهاد عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري ، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من رآني فقد رأى الحق ، فإن الشيطان لا يتكونني" [فتح: 12 \ 383 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ، ولا يتمثل الشيطان بي " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 163 ] قال أبو عبد الله : قال ابن سيرين : إذا رآه على صورته .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أنس - رضي الله عنه - " من رآني في المنام فقد رآني ؛ فإن الشيطان لا يتخيل بي ، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي قتادة - رضي الله عنه - : " الرؤيا الصالحة من الله ، والحلم من الشيطان ، فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوذ من الشيطان ، فإنها لا تضره ، وإن الشيطان لا يتزايا بي " .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : " من رآني فقد رأى الحق " . تابعه يونس وابن أخي الزهري .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - : " من رآني فقد رأى الحق ، فإن الشيطان لا يتكونني " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              هذه المتابعة أخرجها مسلم ، عن أبي خيثمة : ثنا يعقوب بن إبراهيم عنه قال : ثنا عمي ، فذكره . قال الإسماعيلي : وتابعه أيضا -يعني : الزبيدي - عقيل وشعيب وابن جريج وعمر التيمي ، ومعاوية بن يحيى قال : والحديثان -إن شاء الله - صحيحان عن أبي هريرة ، وعن أبي قتادة من حديث أبي سلمة .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : وروي من طريق أخرى أيضا ، ولفظ أبي داود في حديث أبي هريرة : "أو لكأنما رآني في اليقظة " . وفي ابن ماجه في الأخير بإسناد ضعيف : "لا يتمثل بي " وفي "الأوسط " للطبراني زيادة بعد :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 164 ] "لا يتمثل بي " : "ولا بالكعبة " ثم قال : لا تحفظ هذه اللفظة إلا في هذا .

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم من طريق جابر بلفظ : " من رآني في النوم فقد رآني ، إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي " . وأخرجه الترمذي من طريق ابن مسعود بلفظ : " من رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي " . وأخرجه ابن ماجه من طريق أبي جحيفة بلفظ : " من رآني في المنام فكأنما [رآني في ] اليقظة ، إن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي " وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق خلف بن خليفة ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن أبيه بلفظ : " من رآني في المنام " .

                                                                                                                                                                                                                              ومن طريق ابن عباس ، وفيه يزيد (الرقاشي ) : " إن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي ، فمن رآني في النوم فقد رآني " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 165 ] قال ابن الباقلاني معناه : أنه رأى الحق وأن هذه رؤيا صحيحة ليست بأضغاث أحلام ولا من تشبهات الشيطان . يؤيده قوله : "فقد رأى الحق " . أي : الرؤيا الصحيحة ، وقد سلف الكلام في ذلك ، وروينا في "منام الفاسي " أنه سأله عن هذا الحديث من طريق أبي هريرة فقال : صحيح ، قلت : قلته ، وليس على سنده غبار . فقلت : أرى صورة الرسول التي كان فيها أم أخرى شبيها بها ، فأجاب بالثاني . قلت : وصورتك التي كنت بها في المدينة هي تحت التراب ؟ قال : نعم ، والروح روح الأنبياء خاصة ، فأما ما عدا أرواحهم فخيال ؛ لأنها محبوسة .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (" من رآني في المنام فسيراني في اليقظة " ) ، أو "كأنما رآني في اليقظة " . فإن كان المحفوظ : "كأنما " فتأويله مأخوذ بما تقدم وإن كان المحفوظ "فسيراني في اليقظة " فيحتمل أن يريد أهل عصره ممن لم يهاجر إليه ، ويكون الباري جعل رؤيته مناما علما على ذلك بوحي إليه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال : يعني تصديق تلك الرؤيا في اليقظة ، وصحتها وخروجها على الحق ؛ لأنه - عليه السلام - سيراه يوم القيامة في اليقظة جميع أمته ، من رآه في النوم ومن لم يره منهم . قال : وهذا الإخبار منه عن الغيب ، وأن الله منع الشيطان أن يتصور في صورته . وقيل معناه : يراه في الآخرة (رؤيا ) خاصة في القرب منه وحصول شفاعته ، ونحو ذلك حكاه النووي ، وقال القزاز : يريد فمن آمن به قبل ذلك ، ولم يره بكونه حينئذ غائبا عنه فيكون هذا مبشرا لكل من آمن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 166 ] به ولم يره ؛ لأنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته . وقال الداودي عن بعض العلماء : معنى "من رآني في المنام " أي : على صورته ، قالوا : لأنه قد يراه البر والفاجر ، والخبر عنه لا يؤخذ خلافه .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى : " لا يتمثل بي " : لا يتشبه . كما جاء في رواية : " أنى يتكون في صورتي "وكذا قوله : ("لا يتكونني " ) . أي : لا يكون في مثل صورتي فقد منعه الله من ذلك . وقال القاضي عياض : يحتمل أن يكون ذلك إذا رآه على الصفة المعروفة له في حياته ، فإن رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة .

                                                                                                                                                                                                                              (وضعفه النووي وقال : الصحيح أنه يراه حقيقة ) سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها . كما ذكره المازري .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ذكر أبو الحسن علي بن أبي طالب في "مدخله الكبير " أن رؤية سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على الخصب ، والإمطار ، وكثرة الرحمة ، ونصر المجاهدين ، وظهور الدين ، وظفر الغزاة والمقاتلين ، ودمار الكفار ، وظفر المسلمين بهم ، وصحة الدين إذا رئي في الصفات المحمودة ، وربما دل على الحوادث في الدين وظهور الفتن والبدع إذا رئي في الصفات المكروهة ، وقد يعبر به عن الباري تعالى ؛ لأنه قرن طاعته بطاعته .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية