الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2679 50 - حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا معاوية بن عمرو قال : حدثنا أبو إسحاق عن حميد قال : سمعت أنسا - رضي الله عنه - يقول : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم ، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال : .


                                                                                                                                                                                  اللهم إن العيش عيش الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره

                                                                                                                                                                                  فقالوا مجيبين له :


                                                                                                                                                                                  نحن الذين بايعوا محمدا     على الجهاد ما بقينا أبدا

                                                                                                                                                                                  .


                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن في قوله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم إن العيش عيش الآخرة ، تحريضهم على ما هم فيه لكونه من الجهاد ، ورجاله قد ذكروا في إسناد الحديث السابق في الباب الذي قبله .

                                                                                                                                                                                  قوله : " خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق " وكان في شوال سنة خمس من الهجرة ، نص على ذلك ابن إسحاق وعروة بن الزبير وقتادة ، وقال موسى بن عقبة عن الزهري أنه قال : كانت الأحزاب في شوال سنة أربع ، وكذلك قال مالك بن أنس ، وكان سبب ذلك أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - لما بلغه اجتماع الأحزاب وهي القبائل واتفاقهم على محاربته - صلى الله عليه وسلم - ضرب الخندق على المدينة ، قال ابن هشام : يقال : إن الذي أشار به سلمان - رضي الله تعالى عنه - ، وقال الطبري والسهيلي : أول من حفر الخنادق منوجهر بن أيرج ، وكان في زمن موسى عليه الصلاة والسلام ، قوله : " فإذا " كلمة إذا للمفاجأة ، قوله : " ما بهم " أي : الأمر الملتبس بهم ، قوله : " من النصب " أي : التعب ، قوله : " والجوع " .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال " أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة إلى آخره ، وقال الداودي : إنما قال ابن رواحة : لا هم ، بلا ألف ولا لام ، فأتى به بعض الرواة على المعنى ، وهذا موزون ، وقال ابن التين : بالألف واللام إلى آخره ، فليس بموزون ولا هو رجز ، وقال ابن بطال : ليس هو من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; بل هو من قول ابن رواحة ، ولو كان من لفظه لم يكن بذلك شاعرا ، ولا ممن ينبغي له الشعر ، وإنما يسمى به من قصد صناعته وعلم السبب والوتد والشطر وجميع معانيه من الزحاف والخرم والقبض ونحو ذلك . قلت : فيه نظر ; لأن شعراء العرب لم يكونوا يعلمون ما ذكره من ذلك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إن العيش " أي : العيش المعتبر أو العيش الباقي ، قوله : " فاغفر الأنصار " ويروى "للأنصار" ويخرج به عن الوزن ، قوله : " بايعوا " ويروى بايعنا .

                                                                                                                                                                                  وفيه من الفوائد أن للحفر في سبيل الله وتحصين الديار وسد الثغور منها أجرا كأجر القتال والنفقة فيه محسوبة في نفقات المجاهدين إلى سبعمائة ضعف ، وفيه استعمال الرجز والشعر إذا كانت فيه إقامة النفوس وإثارة الأنفة والمعرة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية