الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل [ المضي في الحج الفاسد لا يخالف القياس ]

وأما المضي في الحج الفاسد فليس مخالفا للقياس ; فإن الله سبحانه أمر بإتمام الحج والعمرة ، فعلى من شرع فيهما أن يمضي فيهما وإن كان متطوعا بالدخول باتفاق الأئمة ، وإن تنازعوا فيما سواه من التطوعات : هل تلزم بالشروع أم لا ؟ فقد وجب عليه بالإحرام أن يمضي فيه إلى حين يتحلل ، ووجب عليه الإمساك عن الوطء ، فإذا وطئ فيه لم [ ص: 24 ] يسقط وطؤه ما وجب عليه من إتمام النسك ، فيكون ارتكابه ما حرمه الله عليه سببا لإسقاط الواجب عليه ، ونظير هذا الصائم إذ أفطر عمدا لم يسقط عنه فطره ما وجب عليه من إتمام الإمساك ، ولا يقال له : قد بطل صومك فإن شئت أن تأكل فكل ، بل يجب عليه المضي فيه وقضاؤه ; لأن الصائم له حد محدود وهو غروب الشمس .

فإن قيل : فهلا طردتم ذلك في الصلاة إذا أفسدها ، وقلتم : يمضي فيها ثم يعيدها .

قيل : من هاهنا ظن من ظن أن المضي في الحج الفاسد على خلاف القياس ، والفرق بينهما أن الحج له وقت محدود وهو يوم عرفة كما للصيام وقت محدود وهو الغروب ، وللحج مكان مخصوص لا يمكن إحلال المحرم قبل وصوله إليه كما لا يمكن فطر الصائم قبل وصوله إلى وقت الفطر ، فلا يمكنه فعله ولا فعل الحج ثانيا في وقته ، بخلاف الصلاة فإنه يمكنه فعلها ثانيا في وقتها ; وسر الفرق أن وقت الصيام والحج بقدر فعله لا يسع غيره ، ووقت الصلاة أوسع منها فيسع غيرها ، فيمكنه تدارك فعلها إذا فسدت في أثناء الوقت ، ولا يمكن تدارك الصيام والحج إذا فسدا إلا في وقت آخر نظير الوقت الذي أفسدهما فيه ، والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية