الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3814 83 - حدثنا أحمد بن عثمان ، حدثنا شريح - هو ابن مسلمة - حدثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء - رضي الله عنه - قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة في ناس معهم ، فانطلقوا حتى دنوا من الحصن ، فقال لهم عبد الله بن عتيك : امكثوا أنتم حتى أنطلق أنا فأنظر ! قال : فتلطفت أن أدخل الحصن ، ففقدوا حمارا لهم ، قال : فخرجوا بقبس يطلبونه ! قال : فخشيت أن أعرف ! قال : فغطيت رأسي ورجلي كأني أقضي حاجة ، ثم نادى صاحب الباب : من أراد أن يدخل فليدخل قبل أن أغلقه ! فدخلت ، ثم اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن ، فتعشوا عند أبي رافع ، وتحدثوا حتى ذهبت ساعة من الليل ثم رجعوا إلى بيوتهم ، فلما هدأت الأصوات ولا أسمع حركة خرجت ، قال : ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوة ، فأخذته ففتحت به باب الحصن . قال : قلت إن نذر بي القوم انطلقت على مهل ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم فغلقتها عليهم من ظاهر ، ثم [ ص: 138 ] صعدت إلى أبي رافع في سلم فإذا البيت مظلم قد طفئ سراجه ، فلم أدر أين الرجل ! فقلت : يا أبا رافع ! قال : من هذا ؟ قال : فعمدت نحو الصوت فأضربه وصاح ، فلم تغن شيئا . قال : ثم جئت كأني أغيثه ، فقلت : ما لك يا أبا رافع ؟ وغيرت صوتي ، فقال : ألا أعجبك لأمك الويل ! دخل علي رجل فضربني بالسيف ! قال : فعمدت له أيضا فأضربه أخرى فلم تغن شيئا ، فصاح وقام أهله . قال : ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث فإذا هو مستلق على ظهره ، فأضع السيف في بطنه ثم أنكفئ عليه حتى سمعت صوت العظم ، ثم خرجت دهشا حتى أتيت السلم أريد أن أنزل ، فأسقط منه فانخلعت رجلي ، فعصبتها ، ثم أتيت أصحابي أحجل ، فقلت لهم : انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية ! فلما كان في وجه الصبح صعد الناعية فقال : أنعى أبا رافع ! قال : فقمت أمشي ما بي قلبة ، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبشرتهم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا طريق آخر في حديث البراء ، أخرجه عن أحمد بن عثمان بن حكيم أبو عبد الله الكوفي عن شريح - بضم الشين المعجمة - ابن مسلمة الكوفي عن إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق ، وإبراهيم هذا يروي عن أبيه يوسف ، ويوسف يروي عن جده أبي إسحاق عمرو السبيعي عن البراء بن عازب ، ورجال هذا الإسناد كلهم كوفيون .

                                                                                                                                                                                  قوله " وعبد الله بن عتبة " بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق ، وقد مر الكلام فيه عن قريب .

                                                                                                                                                                                  قوله " بقبس " ; أي شعلة من النار .

                                                                                                                                                                                  قوله " فلما هدأت الأصوات " ، كذا هو بالهمزة ، وذكر ابن التين بغير همز ، ثم قال : وصوابه الهمز - أي سكنت ونام الناس .

                                                                                                                                                                                  قوله " فأضربه " ذكر بلفظ المضارع مبالغة لاستحضار صورة الحال وإن كان ذلك قد مضى .

                                                                                                                                                                                  قوله " فلم تغن " ; أي لم تنفع شيئا .

                                                                                                                                                                                  قوله " أغيثه " بضم الهمزة ، من الإغاثة .

                                                                                                                                                                                  قوله " وقام أهله " ، وفي رواية ابن إسحاق " فصاحت امرأته فنوهت بنا ، فجعلنا نرفع السيف عليها ثم نذكر نهي النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن قتل النساء فنكف عنها " .

                                                                                                                                                                                  قوله " ثم أنكفئ " ; أي أنقلب عليه .

                                                                                                                                                                                  قوله " فانخلعت رجلي " ، وفي الرواية المتقدمة " فانكسرت " ، والتلفيق بينهما بأن يقال إنهما وقعا ، أو أراد من كل منهما مجرد اختلال الرجل .

                                                                                                                                                                                  قوله " أحجل " بالحاء المهملة ثم الجيم ، من الحجلان وهو مشي المقيد كما يحجل البعير على ثلاث والغلام على رجل واحدة .

                                                                                                                                                                                  قوله " ما بي قلبة " بفتح القاف واللام ; أي تقلب واضطرب من جهة الرجل .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : سبق أنه قال " فمسحها فكأنها لم أشتكها " ! قلت : لا منافاة بينهما ; إذ لا يلزم من عدم التقلب عودها إلى حالتها الأولى وعدم بقاء الأثر فيها .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية