الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3864 127 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا همام ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال : حدثني أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خاله - أخ لأم سليم - في سبعين راكبا ، وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل ، خير بين ثلاث خصال فقال : يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر ، أو أكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف ! فطعن عامر في بيت أم فلان ، فقال : غدة كغدة البكر في بيت امرأة من آل فلان ، ائتوني بفرسي ! فمات على ظهر فرسه ، فانطلق حرام أخو أم سليم - وهو رجل أعرج - ورجل من بني فلان ، قال : كونا قريبا حتى آتيهم ، فإن آمنوني كنتم [ ص: 171 ] قريبا ، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم . فقال : أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فجعل يحدثهم ، وأومؤوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه - قال همام : أحسبه حتى أنفذه بالرمح - قال : الله أكبر ! فزت ورب الكعبة ! فلحق الرجل فقتلوا كلهم غير الأعرج ; كان في رأس جبل ، فأنزل الله تعالى علينا ثم كان من المنسوخ : إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا - فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ثلاثين صباحا ; على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث ، وهمام - بتشديد الميم - هو ابن يحيى بن دينار البصري .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في كتاب الجهاد في باب من ينكب في سبيل الله ; فإنه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن همام عن إسحاق ، وفيهما من الزيادة والنقصان .

                                                                                                                                                                                  قوله " بعث خاله " ; أي خال أنس رضي الله تعالى عنه ، واسمه حرام - ضد حلال - ابن ملحان ، واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري ، شهد بدرا مع أخيه سليم بن ملحان ، وشهدا أحدا . وقال الكرماني : قوله " خاله " الضمير لأنس أو للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ; لأنه كان خاله إما من جهة الرضاعة وإما من جهة النسب وإن كان بعيدا .

                                                                                                                                                                                  قوله " أخ لأم سليم " ; أي هو أخ لأم سليم ، فيكون ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ، ويروى " أخا لأم سليم " بالنصب على أنه بدل من قوله " خاله " الذي هو مفعول " بعث " ، وأم سليم - بضم السين - بنت ملحان كانت تحت مالك بن النضر - أبو أنس بن مالك - في الجاهلية فولدت له أنس بن مالك ، فلما جاء الإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلام على زوجها فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك ، ثم خلف عليها بعده أبو طلحة الأنصاري . وقال أبو عمر : اختلف في اسم أم سليم ; فقيل سهلة ، وقيل رميلة ، وقيل رمية ، وقيل مليكة ، ويقال الغميصاء والرميصاء .

                                                                                                                                                                                  قوله " في سبعين راكبا " يتعلق بقوله " بعث " .

                                                                                                                                                                                  قوله " عامر بن الطفيل " بضم الطاء مصغر الطفل ، ابن مالك بن جعفر بن كلاب ، وهو ابن أخي براء عامر بن مالك .

                                                                                                                                                                                  قوله " خير " على صيغة المعلوم ، والضمير فيه يرجع إلى عامر ، والمفعول محذوف - أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وروى البيهقي في الدلائل من رواية عثمان بن سعيد عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري ، ولفظه : وكان أتى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقال له : أخيرك بين ثلاث خصال ... فذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                  قوله " أهل السهل " ; أي البوادي ، و " أهل المدر " أهل البلاد .

                                                                                                                                                                                  قوله " بأهل غطفان " بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء ، قال الرشاطي : غطفان في قيس غيلان غطفان بن سعد بن قيس ، وفي حذام غطفان بن سعد بن إياس بن حرام بن حذام ، وفي جهينة غطفان بن قيس بن جهينة . قال ابن دريد : غطفان فعلان ، من الغطف وهو قلة هدب العينين .

                                                                                                                                                                                  قوله " بألف وألف " ، وفي رواية عثمان بن سعيد " بألف أشقر وألف شقراء " .

                                                                                                                                                                                  قوله " فطعن عامر " بضم الطاء المهملة وكسر العين ; أي أصابه الطاعون وطلع له في أصل أذنه غدة عظيمة كالغدة التي تطلع على البكر .

                                                                                                                                                                                  قوله " غدة " بضم الغين المعجمة وتشديد الدال ، قال الأصمعي : من أدواء الإبل الغدة ، يقال أغد البعير فهو مغد وناقة مغد بغير هاء ، ويقال جمل مغدود وناقة مغدودة ، وكل قطعة صلبة بين القصبة والسلعة يركبها الشحم فهي غدة - تكون في العنق وفي سائر الجسد .

                                                                                                                                                                                  قوله " البكر " بفتح الباء الموحدة وسكون الكاف ، وهو الفتي من الإبل بمنزلة الغلام من الناس ، والأنثى بكرة ، وقد يستعار للناس .

                                                                                                                                                                                  قوله " في بيت امرأة من آل فلان " ، وقد بينت هي في حديث سهل بن سعد ، أخرجه الطبراني فقال : امرأة من آل سلول . وفي حديث أيضا " وإن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دعا عليه - أي على عامر - فقال : اللهم اكفني عامرا ! قال : فجاء إلى بيت امرأة من آل سلول " ، قلت : سلول هي بنت ذهل بن شيبان ، وزوجها مرة بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة - فنسب بنوه إليها .

                                                                                                                                                                                  قوله " فانطلق حرام " وهو خال أنس رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله " وهو رجل أعرج " ، الواو فيه للحال على حسب ما وقع هنا على أن الأعرج صفة حرام ، وليس كذلك ; بل الأعرج غيره لأن حراما لم يكن أعرج ، والأعرج غيره ، وحرام قتل والأعرج لم يقتل ، والصواب : فانطلق حرام هو ورجل أعرج - فكأن الكاتب قدم الواو سهوا ، واسم الأعرج كعب بن زيد من بني دينار بن النجار [ ص: 172 ] قال الذهبي : بدري ، قتل مع النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - يوم الخندق . ووقع في رواية عثمان بن سعيد " فانطلق حرام ورجلان معه - رجل أعرج ورجل من بني فلان " ، وبين ابن هشام أن اسم الرجل الذي من بني فلان المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الخزرجي .

                                                                                                                                                                                  قوله " كونا " ; أي قال حرام للرجل الأعرج وللرجل الذي من بني فلان ، وقال الكرماني : ويروى " كونوا " باعتبار أن أقل الجمع اثنان .

                                                                                                                                                                                  قوله " كنتم " ; أي ثبتم ، وكان تامة فلا تحتاج إلى خبر ، وقال بعضهم " فإن آمنوني كنتم " ، وقع هذا بطريق الاكتفاء - قلت : إن أراد اكتفاء كان عن الخبر فلا يجوز إلا إذا كان كان تامة . ووقع في رواية عثمان بن سعيد " فإن آمنوني كنتم كذا " ، ووقع لأبي نعيم في المستخرج " فإن آمنوني كنتم قريبا مني " ، قلت : كان ناقصة على هاتين الروايتين على ما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                  قوله " فقال : أتومنوني ؟ " ; أي فقال حرام أتعطوني الأمان ؟ والهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستعلام ، ويروى " أتومنونني " على الأصل .

                                                                                                                                                                                  قوله " أبلغ " بالجزم لأنه جواب الاستفهام .

                                                                                                                                                                                  قوله " فجعل يحدثهم " ; أي جعل حرام يحدث المشركين الذين أتى إليهم ، وجعل من أفعال المقاربة وهو من القسم الثالث منها ، وهو ما وضع لدنو الخبر على وجه الشروع فيه والأخذ في فعله .

                                                                                                                                                                                  قوله " وأومؤوا " ; أي أشاروا .

                                                                                                                                                                                  قوله " قال همام " ، هو المذكور في السند .

                                                                                                                                                                                  قوله " أحسبه " ; أي أظن الطعن أنفذه من جانب إلى جانب .

                                                                                                                                                                                  قوله " بالرمح " يتعلق بقوله " فطعنه " .

                                                                                                                                                                                  قوله " قال : الله أكبر ! فزت ورب الكعبة " ، القائل بهذا هو حرام ، وقد صرح به في الحديث الذي يليه على ما يأتي ، ومعنى قوله " فزت " يعني بالشهادة .

                                                                                                                                                                                  قوله " فلحق الرجل " في ضبطه مع معناه ثلاثة أوجه ; الأول : أن يكون " لحق " على صيغة المعلوم و " الرجل " فاعله ، والمراد به الرجل الذي كان رفيق حرام ، ويكون فيه حذف تقديره فلحق الرجل بالمسلمين .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أن يكون " لحق " على صيغة المجهول ، والتقدير لحق الرجل الذي هو رفيق حرام ; يعني صار ملحوقا فلم يقدر أن يبلغ المسلمين قبل بلوغ المشركين إليهم .

                                                                                                                                                                                  الثالث : أن يكون لفظ " الرجل " بسكون الجيم وفتح اللام ويكون جمع الراجل ، ويكون المعنى فلحق الرجال المشركون بالمسلمين فقاتلوهم وقتل المسلمون كلهم ; أي قتل السبعون الذين أرسلهم النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - غير الأعرج فإنه كان في رأس جبل ، وفي رواية حفص بن عمر عن همام - تقدم في الجهاد " فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل ، قال همام : وآخر معه " .

                                                                                                                                                                                  قوله " فأنزل الله علينا " ، المنزل هو قوله " إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا " ، وقوله " ثم كان من المنسوخ " جملة معترضة ; أي مما نسخت تلاوته ، وقال ابن التين : إما أن يكون كان يتلى ثم نسخ رسمه ، أو كان الناس يكثرون ذكره وهو من الوحي ثم تقادم حتى صار لا يذكر إلا خبرا .

                                                                                                                                                                                  قوله " ثلاثين صباحا " ; يعني في صلاة الفجر ، وفي شرف المصطفى : لما أصيب أهل بئر معونة جاءت الحمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اذهبي إلى رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ! فأتتهم فقتلت منهم سبعمائة رجل ; لكل رجل من المسلمين عشرة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية