ولما ذكر سبحانه هذه القصص كما كانت، وحث على الاعتبار [بها] بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109أفلم يسيروا وأشار إلى أنه بذلك أجرى سنته وإن طال المدى، أتبعه الجزم بأن في أحاديثهم أعظم عبرة، فقال حثا على تأملها والاستبصار بها:
nindex.php?page=treesubj&link=28742_29778_29785_32016_32232_32235_34224_34225_28983nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111لقد كان [أي] كونا هو في غاية المكنة
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111في قصصهم أي الخبر العظيم الذي تلي عليك تتبعا لأخبار الرسل الذين طال بهم البلاء حتى استيأسوا من
نوح إلى
يوسف ومن بعده - على جميعهم أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111عبرة أي عظة عظيمة وذكرى شريفة
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111لأولي الألباب أي
[ ص: 260 ] لأهل العقول الخالصة من شوائب الكدر يعبرون بها إلى ما يسعدهم بعلم أن من قدر على ما قص من أمر
يوسف عليه السلام وغيره قادر على أن يعز
محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويعلي كلمته وينصره على من عاداه كائنا من كان كما فعل
بيوسف وغيره - إلى غير مما ترشد إليه قصصهم من الحكم وتعود إليه من نفائس العبر; والقصص: الخبر بما يتلو بعضه بعضا، من قص الأثر، والألباب: العقول، لأن العقل أنفس ما في الإنسان وأشرف.
ولما كان من أجل العبرة في ذلك القطع بحقية القرآن لما بينه من حقائق أحوالهم وخفايا أمورهم ودقائق أخبارهم على هذه الأساليب الباهرة والتفاصيل الظاهرة والمناهيج المعجزة القاهرة، نبه على ذلك بتقدير سؤال فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111ما كان أي هذا القرآن العربي المشتمل على قصصهم وغيره
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111حديثا يفترى كما قال المعاندون - على ما أشير إليه بقوله: " أم يقولون افتراه " ، والافتراء: القطع بالمعنى على خلاف ما هو به في الإخبار عنه، من: فريت الأديم
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111ولكن كان
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111تصديق الذي كان من الكتب وغيرها
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111بين يديه أي قبله الذي هو كاف في الشهادة بصدقه وحقيته في نفسه "و" زاد على
[ ص: 261 ] ذلك بكونه " تفصيل كل شيء " أي يحتاج إليه من أمور الدين والدنيا والآخرة; والتفصيل: تفريق الجملة بإعطاء كل قسم حقه
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111وهدى ورحمة وبيانا وإكراما \. ولما كان الذي لا ينتفع بالشيء لا يتعلق بشيء منه، قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111لقوم يؤمنون أي يقع الإيمان منهم وإن كان بمعنى: يمكن إيمانهم، فهو عام، وما جمع هذه الخلال فهو أبين البيان، فقد انطبق هذا الآخر على أول السورة في أنه الكتاب المبين، وانطبق ما تبع هذه القصص - من الشهادة بحقية القرآن، وأن الرسل ليسوا ملائكة [ولا معهم ملائكة] للتصديق يظهرون للناس، وأنهم لم يسألوا على الإبلاغ أجرا - على سبب ما تبعته هذه القصص، وهو مضمون قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=12فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك - الآية من قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=12لولا أنـزل عليه كنـز أو جاء معه ملك وقولهم: [إنه] افتراه، على ترتيب ذلك، مع اعتناق هذا الآخر لأول التي تليه، فسبحان من أنزله معجزا باهرا، وقاضيا بالحق لا يزال ظاهرا، وكيف لا وهو العليم الحكيم - والله سبحانه وتعالى أعلم.
وَلَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْقِصَصَ كَمَا كَانَتْ، وَحَثَّ عَلَى الِاعْتِبَارِ [بِهَا] بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109أَفَلَمْ يَسِيرُوا وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ بِذَلِكَ أَجْرَى سُنَّتَهُ وَإِنْ طَالَ الْمَدَى، أَتْبَعَهُ الْجَزْمَ بِأَنَّ فِي أَحَادِيثِهِمْ أَعْظَمَ عِبْرَةٍ، فَقَالَ حَثًّا عَلَى تَأَمُّلِهَا وَالِاسْتِبْصَارِ بِهَا:
nindex.php?page=treesubj&link=28742_29778_29785_32016_32232_32235_34224_34225_28983nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111لَقَدْ كَانَ [أَيْ] كَوْنًا هُوَ فِي غَايَةِ الْمُكْنَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111فِي قَصَصِهِمْ أَيِ الْخَبَرِ الْعَظِيمِ الَّذِي تُلِي عَلَيْكَ تَتَبُّعًا لِأَخْبَارِ الرُّسُلِ الَّذِينَ طَالَ بِهِمُ الْبَلَاءُ حَتَّى اسْتَيْأَسُوا مِنْ
نُوحٍ إِلَى
يُوسُفَ وَمَنْ بَعْدَهُ - عَلَى جَمِيعِهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَالتَّحِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111عِبْرَةٌ أَيْ عِظَةً عَظِيمَةً وَذِكْرَى شَرِيفَةً
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111لأُولِي الأَلْبَابِ أَيْ
[ ص: 260 ] لِأَهْلِ الْعُقُولِ الْخَالِصَةِ مِنْ شَوَائِبِ الْكَدَرِ يُعَبِّرُونَ بِهَا إِلَى مَا يُسْعِدُهُمْ بِعِلْمِ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَا قَصَّ مِنْ أَمْرِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَيْرِهِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعِزَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَيُعْلِي كَلِمَتَهُ وَيَنْصُرُهُ عَلَى مَنْ عَادَاهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ كَمَا فَعَلَ
بِيُوسُفَ وَغَيْرِهِ - إِلَى غَيْرِ مِمَّا تُرْشِدُ إِلَيْهِ قِصَصُهُمْ مِنَ الْحُكْمِ وَتَعُودُ إِلَيْهِ مِنْ نَفَائِسِ الْعِبَرِ; وَالْقِصَصُ: الْخَبَرُ بِمَا يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا، مِنْ قَصَّ الْأَثَرَ، وَالْأَلْبَابُ: الْعُقُولُ، لِأَنَّ الْعَقْلَ أَنْفَسُ مَا فِي الْإِنْسَانِ وَأَشْرَفُ.
وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَجْلِ الْعِبْرَةِ فِي ذَلِكَ الْقَطْعِ بِحَقِّيَّةِ الْقُرْآنِ لِمَا بَيَّنَهُ مِنْ حَقَائِقِ أَحْوَالِهِمْ وَخَفَايَا أُمُورِهِمْ وَدَقَائِقِ أَخْبَارِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْأَسَالِيبِ الْبَاهِرَةِ وَالتَّفَاصِيلِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَنَاهِيجِ الْمُعْجِزَةِ الْقَاهِرَةِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ سُؤَالٍ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111مَا كَانَ أَيْ هَذَا الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ الْمُشْتَمِلُ عَلَى قِصَصِهِمْ وَغَيْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111حَدِيثًا يُفْتَرَى كَمَا قَالَ الْمُعَانِدُونَ - عَلَى مَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " أُمّ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ " ، وَالِافْتِرَاءُ: الْقَطْعُ بِالْمَعْنَى عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ، مِنْ: فَرَيْتُ الْأَدِيمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111وَلَكِنْ كَانَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111تَصْدِيقَ الَّذِي كَانَ مِنَ الْكُتُبِ وَغَيْرِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ قَبْلَهُ الَّذِي هُوَ كَافٍ فِي الشَّهَادَةِ بِصِدْقِهِ وَحَقِّيَّتِهِ فِي نَفْسِهِ "وَ" زَادَ عَلَى
[ ص: 261 ] ذَلِكَ بِكَوْنِهِ " تَفْصِيل كُلِّ شَيْء " أَيْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ; وَالتَّفْصِيلُ: تَفْرِيقُ الْجُمْلَةِ بِإِعْطَاءِ كُلِّ قِسْمٍ حَقَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبَيَانًا وَإِكْرَامًا \. وَلَمَّا كَانَ الَّذِي لَا يَنْتَفِعُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أَيْ يَقَعُ الْإِيمَانُ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنًى: يُمْكِنُ إِيمَانُهُمْ، فَهُوَ عَامٌّ، وَمَا جَمَعَ هَذِهِ الْخِلَالَ فَهُوَ أَبْيَنُ الْبَيَانِ، فَقَدِ انْطَبَقَ هَذَا الْآخَرُ عَلَى أَوَّلِ السُّورَةِ فِي أَنَّهُ الْكِتَابُ الْمُبِينُ، وَانْطَبَقَ مَا تَبِعَ هَذِهِ الْقِصَصَ - مِنَ الشَّهَادَةِ بِحَقِّيَّةِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الرُّسُلَ لَيْسُوا مَلَائِكَةً [وَلَا مَعَهُمْ مَلَائِكَةٌ] لِلتَّصْدِيقِ يَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا عَلَى الْإِبْلَاغِ أَجْرًا - عَلَى سَبَبِ مَا تَبِعَتْهُ هَذِهِ الْقِصَصُ، وَهُوَ مَضْمُونُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=12فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ - الْآيَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=12لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ كَنْـزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ وَقَوْلُهُمْ: [إِنَّهُ] افْتَرَاهُ، عَلَى تَرْتِيبِ ذَلِكَ، مَعَ اعْتِنَاقِ هَذَا الْآخَرِ لِأَوَّلِ الَّتِي تَلِيهِ، فَسُبْحَانَ مَنْ أَنْزَلَهُ مُعْجِزًا بَاهِرًا، وَقَاضِيًا بِالْحَقِّ لَا يَزَالُ ظَاهِرًا، وَكَيْفَ لَا وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ - وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.