الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة

" وتتوضأ لكل صلاة وتصلي "

وجملة ذلك أنه لا يجوز أن تتوضأ إلا بعد دخول الوقت ، فإذا توضأت صلت به ما شاءت من الفروض والنوافل ، وعنه : لا تجمع بوضوء واحد فرضين ، لكن إذا اغتسلت فلها أن تجمع بالغسل بينهما ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة : " وتوضئي لكل صلاة " ، وجوز الجمع بين الصلاتين بغسل واحد لحمنة بنت جحش ، وسهلة بنت سهيل . والمشهور الأول ؛ لأنه إذا جاز أن تجمع بين الفرضين بغسل واحد ، جاز بوضوء واحد ؛ لأن الحدث قائم في الموضعين ، وإنما كان الغسل أفضل خشية أن يكون الخارج دم حيض ، وقوله " توضئي لكل صلاة " أي لوقت كل صلاة من الصلوات المعهودة ؛ لما روى ابن بطة بإسناده عن حمنة بنت جحش أنها كانت تهراق [ ص: 493 ] الدم وأنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك " فأمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة " .

لأنه يجوز لها الجمع بين نوافل وفرض ، ولو أراد أنها تتوضأ لفعل كل صلاة مطلقا لما جاز ذلك ، ولأن الصلاة الراتبة هي المشهورة ، فأما الفوائت والمجموعة فنادرة ، فإذا قيل " توضأ عند كل صلاة " انصرف الإطلاق إلى المعهود ، ولهذا لما قال أنس : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة " - لم يفهم إلا الصلوات الخمس في مواقيتها ، ولا يجوز طهارتها قبل الوقت ؛ لأنها طهارة ضرورة ، فلم يجز في وقت الاستغناء عنها كالتيمم وأولى ؛ لأن سبب الحدث هنا خارج عند التطهر وبعده ، بخلاف التيمم فإن القائم هناك الحدث ، ولأنه حكم مقيد بالضرورة ، فيقدر بقدرها كأكل الميتة .

ولأن الحدث الخارج ينقض الوضوء ويوجب الاستنجاء إلا ما عفي عنه للضرورة ، ولا ضرورة قبل الوقت ، فإذا خرج الوقت انتقضت طهارتها كما تنتقض بدخوله لو توضأت قبل ذلك في أحد الوجهين ، اختاره القاضي ، والوجه الآخر وهو ظاهر كلام أحمد أنها لا تبطل بخروج الوقت ، وإنما تبطل بدخوله ، فإذا توضأت للفجر لم يبطل وضوؤها إلا بزوال الشمس ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة وتتوضأ لكل صلاة ، وذلك يقتضي بقاء طهارتها من الوقت إلى الوقت ، ولأن كلما دخل وقت صلاة فهي مأمورة بالوضوء لها ، فوجب عليها ، وجاز أن تصلي بما شاءت بعد ذلك تبعا ، فلا فرق بين ما تفعله في الوقت أو بعد الوقت ، فإذا توضأت فإنها تنوي رفع الحدث المتقدم أو استباحة الصلاة من الحدث المتأخر ، فإن نوت رفع الحدث فقط لم يكن ؛ لأن سبب الحدث دائم فلا يرتفع ، هكذا ذكره بعض أصحابنا ، وكلام غيره يقتضي أنه لا يجب عليها ذلك ؛ لأنهم قالوا : هذه الطهارة [ ص: 494 ] ترفع بها حدثا سابقا ، ولا يؤثر فيها تجدد الحدث ، بل يتعقب هذا الحدث طهارتها ، فتكون محدثة وإن أجزنا لها الصلاة مع الحدث ؛ لأنه لم يمكن في حقها أكثر من ذلك ، وإن نوت الاستباحة فقط أجزأ ؛ لأنه يعم الاستباحة من الحدثين ، ويتضمن ارتفاع الحدث المتقدم ، ولا يجب أن تنوي الطهارة للفريضة مثل التيمم ؛ لأن هذه الطهارة ترفع الحدث الذي أوجبها وهو المتقدم ، والحدث المتجدد بعد ذلك معفو عنه للضرورة ، فلا يوجب طهارة أخرى ، والأفضل أن تصلي في عقب الطهارة احترازا عن الحدث والنجاسة بعد الإمكان إلا أن تؤخرها لبعض مصالحها كانتظار جماعة أو إقامة أو تكميل سترة ، فإن أخرتها لغير مصلحة فقد قيل : لا يجزئها ؛ لأنه أمكن التحرز عن ذلك ، فأشبه ما لو لم يحكم الشد ، والصحيح أنه يجزئ ؛ لأن الطهارة مقيدة بالوقت كما تقدم ، ولأنه يجوز لها أن تطيل القراءة والتسبيح في الصلاة ، فجاز لها التأخير كصلاة المغرب بخلاف ما بعد خروج الوقت ، فإنه لا يجوز مد الصلاة إليه عمدا ، ولأن طهارتها باقية في حق النوافل التي لم تصليها تبعا مع تأخيرها ، فلأن يبقى لفرض الوقت أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية