الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب من قال يتم على أكبر ظنه

                                                                      1028 حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن خصيف عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أو أربع وأكبر ظنك على أربع تشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس قبل أن تسلم ثم تشهدت أيضا ثم تسلم قال أبو داود رواه عبد الواحد عن خصيف ولم يرفعه ووافق عبد الواحد أيضا سفيان وشريك وإسرائيل واختلفوا في الكلام في متن الحديث ولم يسندوه [ ص: 251 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 251 ] 196 باب من قال يتم على أكثر ظنه

                                                                      قال به الحنفية . قال الزيلعي : وعند الحنفية إن كان له ظن بنى على غالب ظنه وإلا بنى على اليقين ، وحجتهم حديث ابن مسعود من طريق منصور ومذهب الشافعي أنه يبني على اليقين مطلقا في الصور كلها ، ويأخذ بحديث الخدري وحديث عبد الرحمن بن عوف انتهى .

                                                                      قال النووي : حديث ابن مسعود من طريق منصور دليل لأبي حنيفة وموافقيه من أهل الكوفة وغيرهم من أهل الرأي على أن من شك في صلاته في عدد ركعات تحرى وبنى على غالب ظنه ، ولا يلزمه الاقتصار على الأقل والإتيان في الزيادة ، وظاهر حديث ابن مسعود حجة لهم . ثم اختلف هؤلاء فقال أبو حنيفة ومالك في طائفة هذا لمن اعتراه الشك مرة بعد أخرى ، وأما غيره فيبني على اليقين وقال آخرون هو على عمومه . وذهب الشافعي والجمهور إلى حديث أبي سعيد المتقدم وهو صريح في وجوب البناء على اليقين . فإن قالت الحنفية : حديث أبي سعيد لا يخالف ما قلنا لأنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه ، ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين بنى على الأقل بالإجماع بخلاف من غلب على ظنه أنه صلى أربعا مثلا ، فالجواب أن تفسير الشك بمستوي الطرفين - إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين ، وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكا سواء المستوي ، والراجح والمرجوح ، والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية ، ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح . انتهى كلامه .

                                                                      وقال الشوكاني في النيل : والذي يلوح لي أنه لا معارضة بين أحاديث البناء على الأقل والبناء على اليقين وتحري الصواب ، وذلك لأن التحري في اللغة كما عرفت هو طلب ما هو أحرى إلى الصواب وقد أمر به - صلى الله عليه وسلم - بالبناء على اليقين والبناء على الأقل عند عروض الشك ، فإن أمكن الخروج بالتحري عن أثرة الشك ولا يكون إلا بالاستيقان بأنه قد فعل من الصلاة كذا ركعات فلا شك أنه مقدم على البناء على الأقل لأن الشارع قد شرط في جواز البناء على الأقل عدم الدراية . كما في حديث عبد الرحمن بن عوف ، وهذا المتحري قد حصلت له الدارية . وأمر الشاك بالبناء على اليقين كما في حديث أبي [ ص: 252 ] سعيد ، ومن بلغ به تحريه إلى اليقين قد بنى على ما استيقن . وبهذا تعلم أنه لا معارضة بين الأحاديث المذكورة وأن التحري المذكور مقدم على البناء على الأقل انتهى كلامه .

                                                                      قلت : وما قاله الشوكاني حسن جدا والله أعلم .

                                                                      ( عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه ) لم يسمع أبو عبيدة من أبيه قاله الحافظ في التهذيب والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه . وفي الخلاصة قال عمرو بن مرة سألته هل تذكر عن عبد الله شيئا ؟ قال لا قلت : وقد ثبت في غير موضع من السنن للترمذي أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ( رواه عبد الواحد عن خصيف ولم يرفعه ) والحاصل أن محمد بن سلمة تفرد برفع هذا الحديث ، وأما عبد الواحد وسفيان وإسرائيل وشريك فهؤلاء لم يرفعوه ، وكذا قال الدارقطني في سننه . وقال البيهقي في المعرفة : وروى خصيف عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا الحديث مختلف في رفعه ومتنه ، وخصيف غير قوي وأبو عبيدة عن أبيه مرسل . انتهى . وفي خصيف بن عبد الرحمن الجزري أبو عون صدوق سيئ الحفظ خلط بآخره ورمي بالإرجاء . وفي الخلاصة ضعفه أحمد ووثقه ابن معين وأبو زرعة انتهى . فالحديث مع كونه غير متصل الإسناد ضعيف أيضا ، فالاحتجاج بهذا الحديث لمن يقول يتم على أكبر ظنه غير صحيح .

                                                                      ولذا احتج الزيلعي على هذه المسألة بحديث عبد الله بن مسعود من طريق منصور ، وكذا الاحتجاج بحديث أبي عبيدة هذا على التشهد الثاني بعد سجدتي السهو فقال بعضهم يتشهد فيهما ويسلم ، وقال بعضهم ليس فيهما تشهد وتسليم وإذا سجدهما قبل التسليم لم يتشهد وهو قول أحمد وإسحاق قالا إذا سجد سجدتي السهو قبل السلام لم يتشهد . انتهى . قال المنذري : وأخرجه النسائي وقد تقدم أن عبيدة لم يسمع من أبيه . قال أبو داود : ورواه عبد الواحد عن خصيف ولم يرفعه ووافق عبد الواحد أيضا سفيان وشريك واختلفوا في الكلام في متن الحديث ولم يسندوه انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية