الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      823 حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال لعلكم تقرءون خلف إمامكم قلنا نعم هذا يا رسول الله قال لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها [ ص: 34 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 34 ] ( فثقلت عليه القراءة ) أي شق عليه التلفظ والجهر بالقراءة ، ويحتمل أن يراد به أنها التبست عليه القراءة بدليل الرواية الآتية ( فلما فرغ ) أي من الصلاة ( قلنا نعم هذا ) قال الخطابي : الهذ سرد القراءة ومداركتها في سرعة واستعجال وقيل أراد بالهذ الجهر بالقراءة ، وكانوا يلبسون عليه قراءته بالجهر ، وقد روي ذلك في حديث عبادة هذا من غير هذا الطريق ( لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) قال الخطابي : هذا الحديث صريح بأن قراءة الفاتحة واجبة على من خلف الإمام سواء جهر الإمام بالقراءة أو خافت بها ، وإسناده جيد لا طعن فيه .

                                                                      قلت : القراءة خلف الإمام فيما أسر وفيما جهر هذا هو الحق ، وإليه ذهب الشافعي وإسحاق والأوزاعي والليث بن سعد وأبو ثور ، وبه قال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير والحسن البصري ومكحول .

                                                                      قال البخاري في جزء القراءة : قال الحسن وسعيد بن جبير وميمون بن مهران وما لا أحصي من التابعين وأهل العلم : إنه يقرأ خلف الإمام وإن جهر . انتهى . وقال فيه وقال عمر بن الخطاب : اقرأ خلف الإمام . قلت : وإن قرأت قال : نعم وإن قرأت وكذلك قال أبي بن كعب وحذيفة بن اليمان وعبادة رضي الله تعالى عنهم ويذكر عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو وأبي سعيد الخدري وعدة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو ذلك . انتهى .

                                                                      وظاهر الحديث الإذن بقراءة الفاتحة جهرا لأنه استثنى من النهي عن الجهر خلفه ، ولكنه أخرج ابن حبان من حديث أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتقرءون في صلاتكم خلف الإمام والإمام يقرأ فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط والبيهقي ، وأخرجه عبد الرزاق عن أبي قلابة مرسلا . كذا في التلخيص .

                                                                      قلت : وأخرج البخاري في جزء القراءة : حدثنا يحيى بن يوسف قال أنبأنا عبد الله [ ص: 35 ] عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه ، فلما قضى صلاته أقبل عليهم بوجهه فقال : أتقرءون في صلاتكم والإمام يقرأ ؟ فسكتوا ، فقالها ثلاث مرات ، فقال قائل أو قائلون : إنا لنفعل ، قال : فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه وأخرجه الترمذي وقال : حديث حسن .

                                                                      قلت : وأخرجه أيضا أحمد والبخاري في جزء القراءة وصححه ، وابن حبان والبيهقي من طريق ابن إسحاق قال حدثني مكحول عن محمود بن ربيعة عن عبادة وتابعه زيد بن واقد وغيره عن مكحول . ومن شواهده ما رواه أحمد من طريق خالد الحذاء عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال رسول الله لعلكم تقرءون والإمام يقرأ ، قالوا : إنا لنفعل ، قال : لا إلا بأن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب .

                                                                      قال الحافظ : إسناده حسن ، ورواه ابن حبان من طريق أيوب عن أبي قلابة عن أنس وزعم أن الطريقتين محفوظتان ، وخالفه البيهقي فقال : إن طريق أبي قلابة عن أنس ليست بمحفوظة ، ومحمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث ، فذهبت مظنة تدليسه وتابعه من تقدم . كذا قال الشوكاني .




                                                                      الخدمات العلمية