الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبقتل غلام أمر بإفلاته فظن القتل ، [ ص: 350 ] وهل إن تسبب السيد فيه أو لا ؟ تأويلان ، وبسبب ولو اتفق : كفزعه فمات والأظهر والأصح خلافه : كفسطاطه وبئر لماء [ ص: 351 ] ودلالة محرم أو حل ، ورميه على فرع أصله بالحرم ، أو بحل وتحامل فمات به إن أنفذ مقتله ، وكذا إن حل لم ينفذ على المختار ، أو أمسكه ليرسله فقتله محرم ، [ ص: 352 ] وإلا فعليه وغرم الحل له الأقل ، وللقتل شريكان ، وما صاده محرم أو صيد له ميتة : [ ص: 353 ] كبيضه وفيه الجزاء ، إن علم وأكل ، [ ص: 354 ] لا في أكلها .

التالي السابق


( و ) يجب الجزاء على سيد محرم ( بقتل غلام ) أي رقيق الصيد الذي ( أمر ) بضم فكسر أي : الغلام من سيده ( بإفلاته ) أي إطلاق الصيد ( فظن ) الغلام أن ( القتل ) هو [ ص: 350 ] الذي أمره سيده به وعلى العبد جزاء أيضا إن كان محرما أو في الحرم ولا ينفعه خطأ ظنه أو ولي أمره سيده بقتله فقتله وعلى العبد جزاء أيضا إن قتله طائعا ، فإن أكرهه فقال أبو عمر إن على السيد الجزاءين قال سالم انظره مع قولهم طوع الرقيق إكراه . ومثل الأمر بالذبح الأمر بالاصطياد ومثل الغلام الولد الصغير ومفهوم ظن القتل أنه لو شك لكان الجزاء على العبد فقط ، وهذا مقتضى كلام اللخمي .

( وهل ) لزوم الجزاء للسيد بقتل غلامه ( إن تسبب السيد فيه ) أي : الصيد بأن أذن له في اصطياده فإن لم يتسبب السيد فلا جزاء عليه ; إذ لم يفعل خيرا ( أو لا ) يقيد بذلك والجزاء على السيد مطلقا فيه ( تأويلان ) الأول لابن الكاتب ، والثاني لابن محرز فقوله أو لا بسكون الواو نفي لقوله إن تسبب أي : أو لا يشترط تسبب السيد . وجوز ابن غازي شد الواو والتنوين فهو ظرف لقوله تسبب ، وعليه فقد حذف التأويل الثاني وهو المذهب .

( و ) يجب الجزاء ( بسبب ) أي : في قتل الصيد في الحرم مطلقا أو في الحل من محرم إن قصد السبب بل ( ولو اتفق ) كونه سببا بلا قصد ( كفزعه ) أي الصيد من رؤية محرم مطلقا أو حل في الحرم ( فمات ) الصيد فالجزاء عند ابن القاسم وهو المذهب ( والأظهر ) عند ابن عبد السلام والمصنف لا ابن رشد كما أوهمه كلامه ( والأصح ) عند ابن المواز والتونسي ( خلافه ) أي قول أشهب بعدم لزوم الجزاء وهو ميتة .

وشبه في عدم الجزاء فقال ( كفسطاطه ) أي : خيمة المحرم أو من في الحرم إذا تعلق الصيد بها باطنا فمات فلا جزاء فيه على المذهب وللجلاب عن ابن القاسم فيه كجوازه على رمحه المركوز فعطب به قال في توضيحه وهو ضعيف .

( و ) حفر ( بئر لماء ) فوقع فيها صيد فلا جزاء فيه ، وافق ابن القاسم على عدم [ ص: 351 ] الجزاء في مسألة البئر ، وقال بالجزاء في فزعه فمات قيل وهو تناقض ظاهر لا شك فيه . وحكى بعضهم قولا بوجوب الجزاء في البئر وهو ضعيف عطف على فسطاط فقال ( ودلالة محرم أو حل ) من إضافة المصدر لمفعوله وفاعله المحذوف محرم أي : دل محرم محرما أو حلالا على صيد فقتله فلا جزاء على الدال وقد أثم ومثلها الإعانة .

( و ) لا جزاء في ( رميه ) أي الصيد حال كونه مستقرا ( على فرع ) ممتد في هواء الحل و ( أصله ) أي : الفرع نابت ( بالحرم ) والفرع خارج عن حد الحرم ويؤكل فإن كان مسامتا لحد الحرم ففيه الجزاء . ولا يلزم من جواز أكل الصيد الذي على فرع في الحل أصله بالحرم وعدم الجزاء فيه جواز قطع ذلك الفرع ، فإن ابن عرفة صرح بعدم جوازه قال ; لأن المعتبر في الشجر أصله وفي الصيد محله ، فعلم منه أن الشجر المغروس في الحل يجوز قطع فرعه الذي في الحرم والذي غرس في الحرم يحرم قطع فرعه الذي في الحل ( أو ) رمى الحلال صيدا ( بحل ) فأصابه السهم في الحل ( وتحامل ) الصيد بنفسه ودخل الحرم ( فمات ) الصيد ( به ) أي : في الحرم فلا جزاء فيه على الرامي ( إن ) كان ( أنفذ السهم مقتله ) أي : الصيد في الحل ويؤكل .

( وكذا ) أي : الصيد الذي أنفذ السهم مقتله في الحل في الأكل وعدم الجزاء الصيد المصاب بسهم في الحل المتحامل للحرم الميت به ( وإن لم ينفذ ) السهم مقتله ( على المختار ) اعتبارا بأصل الرمي لا بوقت الموت واختيار اللخمي من أقوال ثلاثة أحدها للتونسي بالجزاء وعدم الأكل ، وقول أصبغ بعدم الجزاء ولا يؤكل ، وقول أشهب بعدم الجزاء ويؤكل واختاره اللخمي .

( أو أمسكه ) أي : المحرم الصيد ( ليرسله ) أي : المحرم الصيد ( فقتله ) أي : الصيد وهو في يد المحرم ( محرم ) آخر مطلقا أو حل في الحرم فلا جزاء فيه على ممسكه وجزاؤه على [ ص: 352 ] قاتله ( وإلا ) أي : وإن لم يقتله محرم وقتله حل في الحل ( فعليه ) أي الممسك الجزاء ( وغرم الحل ) القاتل ( له ) أي الممسك ( الأقل ) من قيمة الصيد وجزائه لتسببه بقتله في وجوب جزائه على ممسكه لإرساله ( و ) إن أمسكه المحرم أو حل في الحرم ( للقتل ) فقتله محرم مطلقا أو حل في الحرم فهما ( شريكان ) في قتل الصيد فعلى واحد جزاء كامل . في التوضيح إذا أمسك الهرم المحرم صيدا فإما أن يمسكه ليرسله أو ليقتله والأول إن قتله حرام سواء كان محرما أو حلالا في الحرم وجب الجزاء فيه على القاتل فقط ; لأن الممسك لم يمسكه للقتل وإنما فعل ما يجوز له .

( وما ) أي : البري الذي ( صاده ) شخص ( محرم ) مطلقا أو حل في الحرم ومات أو نفذ مقتله باصطياده أو ذكى بعده أو حل في الحل بأمر المحرم ، أو إعانته ، أو دلالته ، أو إشارته ، أو مناولته نحو سوط ومات باصطياده أو ذكى بعده ، أو حل في الحل بدون مدخلية المحرم ثم ذكاه المحرم ، أو أمر بها ( أو صيد له ) أي المحرم معينا أو لا بلا أمره ليباع ، أو يهدي له ، أو يضيف به ومات باصطياده أو بذكاة بعده وهو محرم ، وخبر ما صاده محرم أو صيد له ( ميتة ) لكل أحد عند الجمهور فلا يأكله محرم ولا حلال ، فإن صيد له وذكى بعد تحلله كره أكله قاله الحط ونحوه في الذخيرة . وأما ما صاده المحرم فميتة ولو ذكى بعد تحلله بغير إذنه وعليه جزاؤه ; لأنه لما وجب عليه إرساله ولم يرسله صار بمنزلة المذكى حال إحرامه .

ابن عرفة ونوقض المشهور به في عدم وجوب إراقة خمر خللها من أمر بإراقتها أو حبسها حتى تخللت ، ويجاب بأن حكم التخليل حرمة الإراقة فرفعت وجوبها لمناقضة متعلقها متعلقه ضرورة مناقضة عدم الشيء وجوده ، وحكم التحلل جواز الإمساك والإرسال فلم يرفع وجوب الإرسال لعدم منافاة متعلقه متعلقه ، ولذا قيل الجواز جزء الوجوب وإذا نسخ بقي الجواز وأورد أنه إن كان الدوام كالإنشاء فلا يرسله بعد إحلاله [ ص: 353 ] كإنشاء صيد حينئذ وإلا لم يجب إرسال ما صيد قبل الإحرام . ويجاب بما مر مع التزام الأول ; لأن حكم إنشاء الصيد للمحرم وجوب إرساله وللحلال جواز إمساكه وإرساله فلا يرفع وجوبه كما مر .

البناني جوابه مبني على أن إرسال ما صيد وقت الإحلال جائز لا ممنوع وفيه نظر ; لأنه بصيده صار مالا ، وفي إرساله إضاعته ا هـ . قلت الإضاعة المحرمة الإتلاف بحيث لا ينتفع به بإحراق أو كسر أو إغراق في عميق بحر والإرسال ليس إتلافا لإمكان اصطياده بعده .

وشبه في التحريم فقال ( كبيضه ) أي : الصيد وهو جميع الطير إلا الإوز والدجاج إذا كسره أو شواه محرم مطلقا أو حل في الحرم أو حل في الحل المحرم فميتة لا يأكله حل ولا محرم ، وظاهره نجاسته لهما هذا هو المشهور . وقال سند أما منع المحرم منه فبين ، وأما منع غير المحرم منه ففيه نظر ; لأن البيض لا يفتقر لذكاة حتى يكون بفعل المحرم ميتة على غيره فلا يزيد فعل المحرم فيه على فعل المجوسي فيه ، والمجوسي إذا شوى بيض الصيد أو كسره فلا يحرم بذلك على المسلم بخلاف الصيد فإنه يفتقر لذكاة شرعية ، والمجوسي ليس من أهلها . الحط وهو بين .

ووجه المشهور بأنهم جعلوا البيض بمنزلة الجنين ; لأنه ينشأ عنه ، وباحتمال أن يكون فيه جنين . ويرشح هذا أن من أفسد وكر طير فيه فراخ وبيض فعليه في البيض الدية وقشره طاهر على بحث سند ونجس على المشهور أفاده عب . البناني فيه نظر إذ كلام المدونة لا يفيد إلا منعا من الأكل مطلقا ولا يفيد أنه ميتة ، ونصها على نقل ابن عرفة إن شوى بيض نعام فأخرج جزاءه لم يصلح أكله ولا لحلال . ا هـ . واقتصر عليه وهذا هو الظاهر إذ كونه ميتة بعيد والله أعلم .

( وفيه ) أي : ما صاده حلال لمحرم معين أو غيره ( الجزاء ) على المحرم الآكل منه ( إن علم ) المحرم بأنه صيد لمحرم هو الآكل أو غيره ( وأكل ) المحرم منه فالجزاء عليه من حيث أكله عالما لا من حيث كونه ميتة . الباجي اختلف عن الإمام رضي الله تعالى عنه .

[ ص: 354 ] هل يجزي كل الصيد أو قدر ما أكل ، وظاهر المصنف الأول وأما ما صاده محرم فعليه جزاؤه سواء أكل منه هو أو غيره أو لم يؤكل منه ولا جزاء على غيره الآكل ولو محرما عالما بأنه صيد محرم وأفاد هذا بقوله ( لا ) جزاء ( في أكلها ) أي : ميتة الصيد فهو راجع لأكل المحرم ما صاده محرم غيره و ترتب عليه جزاؤه إذ لا يتعدد ويرجع أيضا للمحرم الصائد نفسه إذا ترتب عليه الجزاء باصطياده ثم أكل منه فلا جزاء عليه بأكله منه إذ لا يتعدد ، ويرجع أيضا لمفهوم إن علم فلا جزاء عليه بأكله منه إن لم يعلم . وافترق صيد المحرم مما صيد له ; لأن الأول وجب عليه جزاؤه باصطياده وما صيد له لم يجب جزاؤه على صائد الحلال .




الخدمات العلمية