الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن شرائط الإيجاب والقبول : اتحاد المجلس لو حاضرين ، وإن طال كمخيرة ، وأن لا يخالف الإيجاب القبول كقبلت النكاح لا المهر [ ص: 15 ] نعم يصح الحط كزيادة قبلتها في المجلس ، وأن لا يكون مضافا ولا معلقا كما سيجيء ، ولا المنكوحة مجهولة ، ولا يشترط العلم بمعنى الإيجاب والقبول فيما يستوي فيه الجد والهزل [ ص: 16 ] إذ لم يحتج لنية به يفتى .

التالي السابق


( قوله : اتحاد المجلس ) قال في البحر : فلو اختلف المجلس لم ينعقد ، فلو أوجب أحدهما فقام الآخر أو اشتغل بعمل آخر بطل الإيجاب ; لأن شرط الارتباط اتحاد الزمان فجعل المجلس جامعا تيسيرا ; وأما الفور فليس من شرطه ; ولو عقدا وهما يمشيان أو يسيران على الدابة لا يجوز ، وإن كان على سفينة سائرة جاز . ا هـ . أي ; لأن السفينة في حكم مكان واحد .

[ فرع ]

قال في المنية : قال زوجتك بنتي فسكت الخاطب فقال الصهر أي أبو البنت ادفع المهر فقال نعم فهو قبول وقيل لا . ا هـ . وهذا يوهم أن عندنا قولا باشتراط الفور ، وأن المختار عدمه . وأجاب في الفتح بأنه قد يكون منشأ هذا القول من جهة أنه كان متصفا بكونه خاطبا فحيث سكت ولم يجب على الفور كان ظاهرا في رجوعه ، فقوله : نعم بعده لا يفيد بمفرده لا ; لأن الفور شرط مطلقا ، والله سبحانه أعلم . ا هـ . ( قوله : لو حاضرين ) احترز به عن كتابة الغائب لما في البحر عن المحيط الفرق بين الكتاب والخطاب أن في الخطاب لو قال : قبلت في مجلس آخر لم يجز وفي الكتاب يجوز ; لأن الكلام كما وجد تلاشى فلم يتصل الإيجاب بالقبول في مجلس آخر فأما الكتاب فقائم في مجلس آخر ، وقراءته بمنزلة خطاب الحاضر فاتصل الإيجاب بالقبول فصح . ا هـ .

ومقتضاه أن قراءة الكتاب في مجلس آخر لا بد منها ليحصل الاتصال بين الإيجاب والقبول ، وحينئذ فاتحاد المجلس شرط في الكتاب أيضا ، وإنما الفرق هو الكتاب ، وإمكان قراءته ثانيا ، فلو حذف قوله حاضرين كالنهر لكان أولى والظاهر أنه لو كان مكان الكتاب رسول بالإيجاب فلم تقبل المرأة ثم أعاد الرسول الإيجاب في مجلس آخر فقبلت لم يصح ; لأن رسالته انتهت أولا بخلاف الكتابة ; لبقائها أفاده الرحمتي . ا هـ .

( قوله : كقبلت النكاح لا المهر ) تمثيل للمنفي أي إذا قال تزوجتك [ ص: 15 ] بألف فقالت قبلت النكاح ولا أقبل المهر لا يصح ، وإن كانت التسمية ليست من شروط صحة النكاح ; لأنه إنما أوجب النكاح بذلك القدر المسمى ، فلو صححنا قبولها يلزمه مهر المثل ولم يرض به بل بما سمى فيلزمه ما لم يلتزمه ، بخلاف ما إذا لم يسم من الأصل ; لأن غرضه النكاح بمهر المثل حيث سكت عنه ولو قالت قبلت ولم تزد على ذلك صح النكاح بما سمى وتمامه في الفتح ( قوله : نعم بصحة الحط إلخ ) أي إذا قال تزوجتك بألف فقالت قبلت بخمسمائة يصح ويجعل كأنها قبلت الألف وحطت عنه خمسمائة بحر ، ولا يحتاج إلى القبول منه لأن هذا إسقاط ، وإبراء بخلاف الزيادة كما لو قالت : زوجت نفسي منك بألف فقال الزوج قبلت بألفين صح النكاح بألف إلا إن قبلت في المجلس ، فيصح بألفين على المفتى به كما في البحر ، فصورة الحط من المرأة والزيادة من الزوج كما علمت وهو كذلك في الذخيرة والخلاصة . وقال في النهر بخلاف ما إذا زوجت نفسها منه بألف فقبله بألفين أو بخمسمائة صح وتوقف قبول الزيادة على قبولها في المجلس على ما عليه الفتوى . ا هـ . وظاهره أنها أوجبت بألف وقبل الزوج بخمسمائة وهو مشكل فإن الحط ممن له الحق وهو المرأة لا ممن عليه فالظاهر أنه مما خالف فيه القبول الإيجاب فلا يصح ، يحرر أفاده الرحمتي .

( قوله : وأن لا يكون مضافا ) كتزوجتك غدا ولا معلقا أي على غير كائن كتزوجتك إن قدم زيد ، وقوله : كما سيجيء أي الكلام على المضاف والمعلق قبيل باب الولي ( قوله : ولا المنكوحة مجهولة ) فلو زوج بنته منه وله بنتان لا يصح إلا إذا كانت إحداهما متزوجة ، فينصرف إلى الفارغة كما في البزازية نهر ، وفي معناه ما إذا كانت إحداهما محرمة عليه فليراجع رحمتي وإطلاق قوله لا يصح دال على عدم الصحة ، ولو جرت مقدمات الخطبة على واحدة منهما بعينها لتتميز المنكوحة عند الشهود فإنه لا بد منه رملي .

قلت : وظاهره أنها لو جرت المقدمات على معينة وتميزت عند الشهود أيضا يصح العقد وهي واقعة الفتوى ; لأن المقصود نفي الجهالة ، وذلك حاصل بتعينها عند العاقدين والشهود ، وإن لم يصرح باسمها كما إذا كانت إحداهما متزوجة ، ويؤيده ما سيأتي من أنها لو كانت غائبة وزوجها وكيلها فإن عرفها الشهود وعلموا أنه أرادها كفى ذكر اسمها ، وإلا لا بد من ذكر الأب والجد أيضا ، ولا يخفى أن قوله زوجت بنتي وله بنتان أقل إبهاما من قول الوكيل زوجت فاطمة ويأتي تمام ذلك عند قوله : وحضور شاهدين حرين وعند قوله غلط وكيلها إلخ .

[ تنبيه ]

لم يذكر اشتراط تمييز الرجل من المرأة وقت العقد للخلاف لما في النوازل في صغيرين قال أبو أحدهما زوجت بنتي هذه من ابنك هذا وقبل ثم ظهرت الجارية غلاما والغلام جارية جاز ذلك ، وقال العتابي لا يجوز بحر قال الرملي : والأكثر على الأول . قلت : وبه علم أن زوجت وتزوجت يصلح من الجانبين وبه صرح في الفتح عن المنية ، ومثله في البحر . ( قوله : ولا يشترط إلخ ) أي فيما كان بلفظ ونكاح بخلاف ما كان كناية لما يأتي من أنه لا بد فيه من نية أو قرينة وفهم الشهود لكن قيد في الدرر عدم الاشتراط بما إذا علما أن هذا اللفظ ينعقد به النكاح أي ، وإن لم يعلما حقيقة معناه قال في الفتح لو لقنت المرأة زوجت نفسي بالعربية ولا تعلم معناه وقبل والشهود يعلمون ذلك أو لا يعلمون صح كالطلاق ، وقيل لا كالبيع كذا في الخلاصة ، ومثل هذا في جانب الرجل إذا لقنه ولا يعلم معناه وهذه من جملة مسائل الطلاق ، والعتاق ، والتدبير ، والنكاح ، والخلع ، فالثلاثة الأول واقعة في الحكم ذكره في عتاق الأصل في باب التدبير ، وإذا عرف الجواب قال قاضي خان : ينبغي أن يكون النكاح كذلك ; لأن العلم بمضمون [ ص: 16 ] اللفظ إنما يعتبر لأجل القصد فلا يشترط فيما يستوي فيه الجد والهزل بخلاف البيع ونحوه ، وأما في الخلع إذ لقنت اختلعت نفسي منك بمهري ونفقة عدتي فقالته ولا تعلم معناه ولا أنه لفظ خلع اختلفوا فيه قيل لا يصح وهو الصحيح قال القاضي : وينبغي أن يقع الطلاق ولا يسقط المهر ولا النفقة ، وكذا لو لقنت أن تبرئه وكذا المديون إذا لقن رب الدين لفظ الإبراء لا يبرأ . ا هـ .

قلت : وفي فهم الشهود اختلاف تصحيح كما سيأتي بيانه . ( قوله : إذ لم يحتج لنية ) بسكون ذال إذ فالجملة تعليل لما قبلها وضمير يحتج لما ( قوله : به يفتى ) صرح به في البزازية . وفي البحر أن ظاهر كلام التجنيس يفيد ترجيحه .

قلت : وهو مقتضى كلام الفتح المار وبه جزم في متن الملتقى والدرر والوقاية وذكر الشارح في شرحه على الملتقى أنه اختلف التصحيح فيه




الخدمات العلمية