الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وتقع رجعية بقوله اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة ) وإن نوى أكثر ، ولا عبرة بإعراب واحدة في الأصح ( و ) يقع ( بباقيها ) أي باقي ألفاظ الكنايات المذكورة ، فلا يرد وقوع الرجعي ببعض الكنايات أيضا نحو : أنا بريء من طلاقك ، [ ص: 303 ] وخليت سبيل طلاقك ، وأنت مطلقة بالتخفيف ، وأنت أطلق من امرأة فلان ، وهي مطلقة ، وأنت ط ا ل ق وغير ذلك مما صرحوا به ( خلا اختاري ) فإن نية الثلاث لا تصح فيه أيضا ، ولا تقع به ولا بأمرك بيدك ما لم تطلق المرأة نفسها كما يأتي ( البائن إن نواها أو الثنتين ) لما تقرر أن الطلاق مصدر [ ص: 304 ] لا يحتمل محض العدد ( وثلاث إن نواه ) للواحدة الجنسية ولذا صح في الأمة نية الثنتين

التالي السابق


( قوله وتقع رجعية ) وإن نوى البائن ح ( قوله بقوله اعتدي ) لأنه من باب الإضمار : أي طلقتك فاعتدي أو اعتدي لأني طلقتك ، ففي المدخول بها يثبت الطلاق وتجب العدة ، وفي غيرها يثبت الطلاق عملا بنيته ولا تجب العدة ، كذا في التلويح وتمامه في النهر ( قوله واستبرئي رحمك ) قدمنا عن البدائع أنه كناية عن الاعتداد من العدة : فيقال فيه ما قلناه آنفا في اعتدي ( قوله وأنت واحدة ) لأنه إذا نوى الطلاق صار لفظ واحدة صفة لمصدر محذوف أي طالق طلقة واحدة وصريح الطلاق يعقب الرجعة والمصدر وإن احتمل نية الثلاث ، لكن التنصيص على الواحدة يمنع إرادة الثلاث ( قوله في الأصح ) كذا صححه في الهداية وغيرها وقدمنا الكلام عليه ( قوله فلا يرد إلخ ) أي إذا علمت أن الضمير في باقيها عائد على الألفاظ المذكورة في المتن ، فلا يرد أن غيرها من ألفاظ الكنايات قد يقع به الرجعي من كل كناية كان فيها ذكر الطلاق ، لكن جعلها في البحر داخلة بالأولى تحت الألفاظ الثلاثة الواقع بها الرجعي لأن علة وقوع الرجعي بها وجود الطلاق مقتضى أو مضمرا ، فما ذكر فيها الطلاق يقع بها الرجعي بالأولى ( قوله نحو أنا بريء من طلاقك ) أي يقع به الرجعي إذا نوى فتح ، لكن في الجوهرة ; ولو قال أنا بريء من نكاحك وقع الطلاق إذا نواه ، وإن قال أنا بريء من طلاقك لا يقع شيء لأن البراءة من الشيء ترك له . ا هـ .

وذكر في البزازية اختلاف التصحيح في : برئت من طلاقك ، وجزم في الخانية بتصحيح عدم الوقوع به لكن قال في الفتح : وفي الخلاصة : اختلف في برئت من طلاقك ، والأوجه عندي أن يقع بائنا لأن حقيقة تبرئته منه تستلزم عجزه عن الإيقاع وهو البينونة بانقضاء العدة أو الثلاث أو عدم الإيقاع أصلا وبذلك صار كناية ، فإذا [ ص: 303 ] أراد الأول وقع وصرف إلى إحدى البينونتين وهي التي دون الثلاث . ا هـ . قلت : مقتضى هذا وقوع واحدة بائنة لأن الوقوع ليس بلفظ الصريح بل بلفظ برئت تأمل ( قوله وخليت سبيل طلاقك ) وكذا خليت طلاقك أو تركت طلاقك ، إن نوى وقع وإلا فلا خانية .

( قوله بالتخفيف ) أي تخفيف اللام ، أما بالتشديد فهو صريح يقع به بلا نية كما مر في بابه ( قوله وأنت أطلق من امرأة فلان ) فإن كان جوابا لقولها إن فلانا طلق امرأته وقع ولا يدين لأن دلالة الحال قائمة مقام النية ; حتى لو لم تكن قائمة لم يقع إلا بالنية نهر في باب الصريح عن الخلاصة فليس من الصريح وإلا لم يتوقف على النية ، وعلله في الفتح بأن أفعل التفضيل ليس صريحا فافهم ( قوله وهي مطلقة ) أي والحال أن امرأة فلان مطلقة وإلا فلا يقع ، وهذا القيد ذكره في البحر ، لكن في الفتح في أول باب الصريح أنه لا فرق بين كونها مطلقة أو لا . قال : والمعنى عند عدم كونها مطلقة لأجل فلانة ، يعني أن ( من ) في قوله من امرأة فلان للتعليل ( قوله وأنت ط ل ق ) قدمنا في باب الصريح عن الذخيرة تعليله بأن هذه الحروف يفهم منها ما هو المفهوم من صريح الكلام إلا أنها لا تستعمل كذلك ، فصارت كالكناية في الافتقار إلى النية ( قوله وغير ذلك إلخ ) مثل : الطلاق عليك ، وهبتك طلاقك ، بعتك طلاقك ، إذا قالت اشتريت من غير بدل خذي طلاقك ، أقرضتك طلاقك ، قد شاء الله طلاقك أو قضاه ، أو شئت ; ففي الكل يقع بالنية رجعي كما في الفتح : زاد في البحر : الطلاق لك أو عليك ، أنت طال بحذف الآخر ، لست لي بامرأة وما أنا لك بزوج ، أعرتك طلاقك ، ويصير الأمر بيدها على ما في المحيط ا هـ ومثله طلقك الله وهو الحق ، خلافا لمن قال لا تشترط له النية كما قدمه الشارح في باب الصريح ، لكن قدمنا هناك تصحيح عدم اشتراط النية في خذي طلاقك فهو من الصريح وأما ما قيل من أن من الصريح أيضا في الأصح أعرتك طلاقك ووهبته لك وشئت طلاقك فقدمنا تصحيح خلافه هناك فافهم وقدم الشارح هناك أن أنت طال إن بالكسر لا يتوقف على النية وإلا توقف ، وقدمنا الكلام عليه ثمة .

وذكر في الفتح هناك : لو قال أنت بثلاث وقعت ثلاث إن نوى لأنه محتمل لفظه ، ولو قال لم أنو لا يصدق إذا كان في حال مذاكرة الطلاق لأنه لا يحتمل الرد وإلا صدق ( قوله خلا اختاري ) استثناء من قوله وبباقيها بالنظر إلى قوله الآتي وثلاث إن نواه ، ولو أخره بعده : أن يقول وثلاث إن نواه إلا في اختاري لكان أولى ط ( قوله لا تصح فيه أيضا ) أي كما لا تصح نية الثلاث في الألفاظ الثلاثة السابقة ط ( قوله ما لم تطلق المرأة نفسها ) أي مع نية الزوج الطلاق أو دلالة الحال لأن ذلك كناية إيقاع كما يأتي في الباب الآتي ( قوله البائن ) بالرفع فاعل يقع في قوله ويقع بباقيها ( قوله إن نواها ) أي نوى الواحدة وليس الضمير للبائن ، وأنثه لكونه بمعنى الطلقة لأن وقوع البائن لا يتوقف على نيته ، وقوله أو الثنتين عطف على الهاء .

وحاصله أنه إذا نوى الواحدة أو الثنتين لا تقع إلا واحدة حتى لو طلق الحرة واحدة ثم أبانها ونوى ثنتين كانت واحدة ، ولو نوى الثلاث وقعن لحصول البينونة في حقها بالثنيتين وبالواحدة السابقة بحر عن المحيط وتقدم في باب الصريح أن ما في الجوهرة سهو وقدمنا الكلام عليه ( قوله لما تقرر أن الطلاق مصدر ) فيه أن ألفاظ الكنايات سوى الثلاثة السابقة غير متضمنة للفظ الطلاق لأنها كناية عما هو أعم منه ومن حكمه لأنها لم يرد بها الطلاق أصلا [ ص: 304 ] بل البينونة كما قدمناه أول الباب ، وإلا لكان الواقع بها رجعيا كالألفاظ الثلاثة والألفاظ المصرح فيها بذكره ، فالمناسب التعبير بالبينونة فإنها مصدر والمصدر من ألفاظ الوحدان لا يراعى فيها العدد المحض بل التوحيد وهو بالفردية الحقيقية أو الجنسية والمثنى بمعزل عنهما لأنه عدد محض ثم رأيت صاحب الجوهرة عبر بالبينونة كما قلنا بدل الطلاق

وبما قررناه علم أنه ليس المراد بالمصدر نفس ألفاظ الكناية حتى يعترض عليه بأن نحو سرحتك فارقتك خلية برية لا مصدر فيها فافهم ( قوله ولذا صح في الأمة إلخ ) لأن الثنتين في حقها كل الجنس كالثلاث للحرة




الخدمات العلمية