الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) كذا ( في ) حلفه ( إن تغديت ) فكذا ( بعد قول الطالب ) تعال ( تغد معي ) شرط للحنث ( تغديه معه ) ذلك الطعام المدعو إليه ( وإن ضم ) إلى إن تغديت ( اليوم أو معك ) [ ص: 763 ] فعبدي حر ( حنث بمطلق التغدي ) لزيادته على الجواب فجعل مبتدئا وفي طلاق الأشباه إن للتراخي إلا بقرينة الفور ومنه طلب جماعها فأبت فقال : إن لم تدخلي معي البيت فدخلت بعد سكون شهوته حنث . وفي البحر عن المحيط [ ص: 764 ] طول التشاجر لا يقطع الفور ، وكذا لو خافت فوت الصلاة فصلت أو اشتغلت بالوضوء لصلاة المكتوبة أو اشتغلت بالصلاة المكتوبة لأنه عذر شرعا وكذا عرفا .

التالي السابق


( قوله تغديه معه ) نائب فاعل شرط فلو خرج إلى منزله فتغدى لم يحنث لأن جوابه خرج مخرج الجواب فينطبق على السؤال فينصرف إلى الغداء المدعو إليه كذا في الهداية ( قوله ذلك الطعام المدعو إليه ) كذا في الإيضاح لابن كمال معزيا إلى الهداية ، والذي في الهداية هو ما سمعته ، وهو محتمل أن يكون المراد به الفعل أي التغدي وأن يكون المراد به الطعام الذي هو حقيقة الغداء بالدال المهملة والظاهر الأول ، وأن قول الهداية فينصرف إلى الغداء إلخ على حذف مضاف أي إلى أكل الغداء أو أنه أطلق الغداء على التغدي تساهلا بدليل قوله في الباب الآتي الغداء الأكل من طلوع الفجر إلى الظهر قال في الفتح هناك وهذا تساهل معروف المعنى فلا يعترض به ا هـ ويلزم على ما فهمه ابن كمال أنه لو أكل ذلك الطعام في بيته وحده يحنث ، وليس كذلك لأن المحلوف عليه هو التغدي مع الطالب لأنه هو المدعو إليه وليس في كلام الطالب ولا في كلام الحالف تعيين طعام ، بل لو دعاه إلى الغداء معه قبل حضور طعام أصلا فالظاهر أن الحكم كذلك بدليل تعليلهم بأن الجواب ينطبق على السؤال . نعم لو قال الطالب تغد معي هذا الطعام تقيد به أما بدون ذلك فلا . والذي يظهر لي أن هذا الفهم الذي فهمه ابن كمال غير صحيح ، ولم أر من سبقه إليه وإن عول الشارح عليه تأمل ( قوله اليوم أو معك ) مفعول ضم أي بأن قال إن تغديت اليوم أو قال إن تغديت معك حنث [ ص: 763 ] بمطلق التغدي . واعترض ح قوله : أو معك بأنه لم يزد على السؤال لأن السؤال فيه لفظة مع فالصواب أن يقول تغد عندي كما قال في الكنز ا هـ .

قلت : لكن في الذخيرة قال له تغد معي فقال : والله لا أتغدى فذهب إلى بيته وتغدى مع أهله لا يحنث . ووجه ذلك أن يمينه عقدت على غداء معين ، وهو الذي دعاه إليه لأن قوله والله لا أتغدى خرج جوابا لسؤال المخاطب وأمكن جعله جوابا لأنه لم يزد على حرف الجواب ، فيجعل جوابا والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال والسؤال وقع على غداء بعينه بدلالة قوله : تغد معي أي هذا الغداء ، فيجعل ذلك كالمصرح به في السؤال كأنه قال تغد معي هذا الغداء والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال ، بخلاف ما لو قال والله لا أتغدى معك لأنه زاد على حرف الجواب ، ومع الزيادة عليه لا يمكن أن يجعل جوابا فجعل ابتداء ولا قيد فيه . ا هـ . ومثله في التتارخانية عن السراجية ، فعلم أن قوله إن تغديت معك زيادة على الجواب وإن كان لفظ مع مذكور في كلام الطالب للاستغناء عنه ولعمومه المدعو إليه وغيره أي التغدي معه في ذلك اليوم وغيره ، لكن لا يخلو عن نظر فالظاهر ما قاله ح فتدبر ، ثم في هذه العبارة إطلاق الغداء على التغدي كما وقع في عبارة الهداية تساهلا ( قوله حنث بمطلق التغدي ) الإطلاق بالنظر لليوم معناه سواء تغدى معه أو في بيته مثلا في ذلك اليوم وبالنظر إلى قوله معي تغديه معه ولو في غير هذا الوقت ، ولا يحنث إن تغدى مع غيره ولو في الوقت الذي حلف فيه ط .

( قوله فجعل مبتدئا ) لكن لو نوى الجواب دون الابتداء صدق ديانة لأن احتمال كونه جوابا قائم لا قضاء لمخالفته الظاهر فيما فيه تخفيف عليه ، ولو قال إن تغديت ونوى ما بين الفور والأبد كاليوم أو الغد لم يصدق أصلا لأن النية إنما تعمل في الملفوظ والحال لا تدل عليه فانتفى دلالة الحال ، ودلالة المقال كما لو حلف لا يتزوج النساء ونوى عددا أو لا يأكل طعاما ونوى لقمة أو لقمتين لم يصح كذا في شرحه تلخيص الجامع ( قوله إن للتراخي إلخ ) احترز بها عن إذا فإنها للفور ففي الخانية إذا فعلت كذا فلم أفعل كذا قال أبو حنيفة إذا لم يفعل على أثر الفعل المحلوف عليه حنث ، ولو قال إن فعلت كذا فلم أفعل كذا فهو على الأبد وقال أبو يوسف على الفور أيضا ا هـ ومعنى كون إن للتراخي أنها تكون للتراخي وغيره عند عدم قرينة الفور ، والمراد فعل الشرط الذي دخلت عليه ، وما رتب عليه فإذا قال لها إن خرجت فكذا وخرجت فورا أو بعد يوم مثلا حنث إلا لقرينة الفور ، فيتقيد به كما مر ومنه ما مثل به وكذا ما في الخانية إن دخلت دارك فلم أجلس فهو على الفور ا هـ أي الجلوس على فور الدخول ، وفيها أيضا إن بعثت إليك فلم تأتني فعبدي حر ، فبعث إليه فأتاه ثم بعث إليه ثانيا فلم يأته حنث ولا يبطل اليمين بالبر حتى يحنث مرة فحينئذ يبطل اليمين . ا هـ .

مطلب إن ضربتني ولم أضربك

وفي الذخيرة إن ضربتني ولم أضربك فهذا على الماضي عندنا كأنه قال ولم أكن ضربتك قبل ضربك إياي وإن نوى بعد صح أي إن ضربتني ابتداء ولم أضربك بعده ، ويكون على الفور .

والحاصل : أن كلمة ولم تقع على الأبد كإن أتيتني ولم آتك إن زرتني ولم أزرك وقد تقع على الفور والمعتبر في ذلك معاني كلام الناس وكذلك تقع على قبل وعلى بعد كما مر وفي إن كلمتني ولم أجبك على بعد لأن الجواب لا يتقدم ، وعلى الفور أيضا باعتبار العادة ا هـ ملخصا ( قوله حنث ) قال في الاختيار لأن مقصوده الدخول لقضاء الشهوة وقد فات فصار شرط الحنث عدم الدخول لقضاء الشهوة وقد وجد . ا هـ . ( قوله وفي البحر عن المحيط ) [ ص: 764 ] عبارته إذا قال لامرأته إذا لم تجيئي إلى الفراش هذه الساعة فأنت طالق وهما في التشاجر فطال بينهما كان على الفور حتى لو ذهبت إلى الفراش لا يحنث ا هـ وظاهره ولو كان بعد سكون شهوته فيقيد به ما قبله لكنه خلاف ما يفهم مما نقلناه عن الاختيار فينبغي تقيد هذا بما إذا لم تسكن شهوته فتأمل ( قوله وكذا إلخ ) وكذا لو أخذها البول فبالت كما قدمناه وقيل الصلاة تقطع الفور لأنها عمل آخر والفتوى على الأول كما في البحر ( قوله واشتغلت بالصلاة المكتوبة ) أي إذا خافت فوتها كما يعلم مما قبله ، وهذا تكرار إلا أن يحمل على ما إذا كان الحلف وهي تصلي تأمل . قال في البحر : ولو اشتغلت بالتطوع أو بالوضوء أو أكلت أو شربت حنث لأن هذا ليس بعذر شرعا . ا هـ .




الخدمات العلمية