الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل :

فهذا ما يتعلق بقول أمير المؤمنين رضي الله عنه : " واعرف الأشباه والنظائر " وفي لفظ : " واعرف الأمثال ، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق " . فلنرجع إلى شرح باقي كتابه . ثم قال : " وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس ، والتنكر عند الخصومة ، أو الخصوم - شك أبو عبيد - فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ، ويحسن به الذخر " .

هذا الكلام يتضمن أمرين : [ ذم الغضب ] . أحدهما : التحذير مما يحول بين الحاكم وبين كمال معرفته بالحق ، وتجريد قصده له ; فإنه لا يكون خير الأقسام الثلاثة إلا باجتماع هذين الأمرين فيه ، والغضب والقلق والضجر مضاد لهما ; فإن الغضب غول العقل يغتاله كما تغتاله الخمر ، ولهذا { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان } والغضب نوع من الغلق والإغلاق الذي [ ص: 120 ] يغلق على صاحبه باب حسن التصور والقصد ، وقد نص أحمد على ذلك في رواية حنبل ، وترجم عليه أبو بكر في كتابيه الشافي وزاد المسافر ، وعقد له بابا ، فقال في كتاب الزاد : باب النية في الطلاق والإغلاق ،

قال أبو عبد الله في رواية حنبل : عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " { لا طلاق ولا عتق في إغلاق } فهذا الغضب ، وأوصى بعض العلماء لولي أمر فقال : إياك والغلق والضجر ; فإن صاحب الغلق لا يقدم عليه صاحب حق ، وصاحب الضجر لا يصير على حق .

[ الصبر على الحق ] . والأمر الثاني : التحريض على تنفيذ الحق ، والصبر عليه ، وجعل الرضا بتنفيذه في موضع الغضب والصبر في موضع القلق والضجر ، والتحلي به واحتساب ثوابه في موضع التأذي ; فإن هذا دواء ذلك الداء الذي هو من لوازم الطبيعة البشرية وضعفها ; فما لم يصادفه هذا الدواء فلا سبيل إلى زواله ; هذا مع ما في التنكر للخصوم من إضعاف نفوسهم ، وكسر قلوبهم ، وإخراس ألسنتهم عن التكلم بحججهم خشية معرة التنكر ، ولا سيما أن يتنكر لأحد الخصمين دون الآخر ; فإن ذلك الداء العضال .

التالي السابق


الخدمات العلمية