الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2403 (55) باب

                                                                                              ثواب الحج والعمرة

                                                                                              [ 1208 ] عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، ..........والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" .

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 462) والبخاري (1773)، ومسلم (1349)، والنسائي ( 5 \ 115 )، وابن ماجه (2888).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (55) ومن باب: ثواب الحج والعمرة

                                                                                              العمرة في اللغة هي الزيادة ، قال :


                                                                                              يهل بالفدفد ركبانها كما يهل الراكب المعتمر

                                                                                              [ ص: 462 ] وقال بعض اللغويين : الاعتمار والعمرة القصد ، قال :


                                                                                              لقد سما ابن معمر حين اعتمر ... ... ...


                                                                                              أي حين قصد ، وهي في عرف الشرع زيارة البيت على أحكام مخصوصة .

                                                                                              وقد اختلف في حكمها ; فذهب جماعة من السلف على وجوبها ، وهو قول الأوزاعي والثوري وابن حبيب وابن الجهم من أصحابنا ، وحكي عن أبي حنيفة . وذهب آخرون إلى أنها ليست بواجبة ، وهو قول مالك ومشهور قول أبي حنيفة وأصحابه وداود . واختلفت الرواية فيها عن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، إلا أن مالكا قال : إنها سنة مؤكدة . وبعض هؤلاء يجعلها مستحبة . ومتمسك من قال بوجوبها قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله [البقرة: 196] وليس فيه حجة ; لأنا نقول بموجبه : فإن من شرع في شيء من أعمال الطاعات وجب عليه إتمامه، وإن كان مستحبا - وقد تقدم هذا المعنى غير ما مرة .

                                                                                              وقوله " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما " ; يعني : لما يقع بينهما من السيئات . وقد استوفينا هذا المعنى في كتاب الطهارة ، وقد استدل بظاهر هذا من قال بجواز تكرار العمرة في السنة الواحدة وهم الجمهور وأكثر أصحاب مالك ، وذهب مالك إلى كراهية ذلك ، ومتمسكه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر خمس عمر كل عمرة منها في سنة غير الأخرى ، مع تمكنه من التكرار في السنة الواحدة ، ولم يفعل .

                                                                                              [ ص: 463 ] وأيضا : فإنها نسك مشتمل على إحرام وطواف وسعي ، فلا يفعل في السنة إلا مرة ، أصله الحج . وعلى قول مالك : لو أحرم بالعمرة المكررة لزمته . وقال آخرون : لا يعتمر في شهر أكثر من مرة واحدة - ولا حجة له في شيء مما تقدم .

                                                                                              وقوله " والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " ، المبرور : اسم مفعول من بر ، مبني لما لم يسم فاعله ، فهو مبرور .

                                                                                              و (بر) : يتعدى بنفسه . يقال : بر الله حجك . ويبنى لما لم يسم فاعله ، فيقال : بر حجك ، فهو مبرور . ولا معنى لقول من قال : إنه لا يتعدى إلا بحرف الجر . واختلف في معنى المبرور ، فقيل : الذي لا يخالطه شيء من المأثم . وقيل : المتقبل . وقيل : الذي لا رياء فيه ولا سمعة .

                                                                                              قلت : وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى . وهو : أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موافقا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقوله " ليس له جزاء إلا الجنة " ; يعني أنه لا يقتصر فيه على مغفرة بعض الذنوب ، بل لا بد لصاحبه من الجنة بسببه ، والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية