الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ومن أمكنه السعي إليه ) أي : إلى الحج والعمرة ( لزمه ) السعي إليه ; لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وكالسعي إلى الجمعة ( إذا كان في وقت المسير ) أي مسير أهل بلده إلى الحج على العادة فلو أمكنه أن يسير سيرا مجاوزا للعادة لم يلزمه ( ووجد طريقا آمنا ) ; ; لأن في اللزوم بدونه ضررا وهو منتف شرعا ، وسواء كان بعيدا أو قريبا ، ( ولو غير الطريق المعتاد بحيث يمكن سلوكه بحسب ما جرت به العادة برا كان ) الطريق ( أوبحرا الغالب فيه ) أي : البحر ( السلامة ) لحديث عبد الله بن عمرو { لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله } رواه أبو داود وفيه مقال .

                                                                                                                      ولأنه يجوز سلوكه بأموال اليتامى أشبه البر ، ( وإن غلب الهلاك لم يلزمه سلوكه ) ذكره المجد إجماعا في البحر ، ( وإن سلم فيه قوم وهلك قوم ولا غالب ) منهما بل استويا ( لم يلزمه ) سلوكه قال الشيخ : أعان على نفسه فلا يكون شهيدا .

                                                                                                                      ( وقال القاضي : يلزمه ) سلوكه ( ويشترط أن لا يكون في الطريق خفارة ) بتثليث الخاء : جعل الخفير يقال خفرت الرجل حميته وأجرته من مطالبيه فأنا خفير قاله في حاشيته ، ( فإن كانت ) الخفارة ( يسيرة لزمه قاله الموفق والمجد ) ; لأنه ضرر يسير فاحتمل [ ص: 392 ] ( وزاد ) أي : المجد : ( إذا أمن ) باذل الخفارة ( الغدر من المبذول له ) قال في الإنصاف : ( ولعله مراد من أطلق ) بل يتعين .

                                                                                                                      ( قال حفيده ) أي حفيد المجد وهو الشيخ تقي الدين : ( الخفارة تجوز عند الحاجة إليها في الدفع عن المخفر ولا تجوز مع عدمها ) أي : عدم الحاجة إليها كما يأخذه السلطان من الرعايا .

                                                                                                                      وقال الجمهور : لا يلزمه الحج مع الخفارة وإن كانت يسيرة ذكره في المبدع وهو ظاهر المنتهى ; لأنها رشوة فلم يلزم بذلها في العبادة ( ويشترط أن يوجد فيه ) أي : الطريق ( الماء والعلف على المعتاد ) بأن يجده في المناهل التي ينزلها ( فلا يلزمه حمل ذلك لكل سفرة ) ; لأنه يؤدي إلى مشقة عظيمة بل يتعذر بخلاف ذات نفسه ، فإنه يمكنه حمله فعلى هذا يجب حمل الماء من منهل إلى منهل والكلأ من موضع إلى موضع ( فسعة الوقت هي وإمكان المسير بأن تكمل الشرائط فيه ، وفي الوقت سعة ) بحيث ( يتمكن من المسير لأدائه ) أي : الحج أي : بحيث يمكنه تحصيل ما يحتاج إليه ، ولا يفوته الرفقة .

                                                                                                                      ( وأمن الطريق بأن لا يكون فيه ) أي الطريق ( مانع من خوف ولا غيره من شرائط الوجوب ) أي : وجوب الحج ( كقائد الأعمى ودليل البصير الذي يجهل الطريق ) ، فمن عدم ذلك غير مستطيع لتعذر فعل الحج معه كعدم الزاد والراحلة .

                                                                                                                      ( ويلزمه ) أي : الأعمى والجاهل بالطريق ( أجرة مثله ) أي القائد والدليل ; لأنه مما يتم به الواجب ، ( ولو تبرع ) القائد والدليل ( لم يلزمه ) أي : الأعمى والجاهل ( للمنة وعنه ) أي : الإمام أحمد أن سعة الوقت وأمن الطريق وقائد الأعمى ودليل الجاهل ( من شرائط لزوم الأداء اختاره الأكثر ) ; لأنه صلى الله عليه وسلم فسر السبيل بالزاد والراحلة ; ولأن إمكان الأداء ليس شرطا في وجوب العبادة بدليل ما لو زال المانع ولم يبق من وقت الصلاة ما يمكن الأداء فيه ، وكما تقدم في الزكاة ولأنه يتعذر الأداء دون القضاء كالمرض المرجو برؤه ، وعدم الزاد والراحلة يتعذر معه الجميع فعلى هذا ( يأثم إن لم يعزم على الفعل ) أي : الحج إذا اتسع الوقت وأمنت الطريق ووجد القائد والدليل ( كما نقول في طريان الحيض ) بعد دخول الوقت فإن الحائض تأثم إن لم تعزم على القضاء إذا زال ، ( فالعزم في العبادات مع العجز ) عنها ( يقوم مقام الأداء في عدم الإثم ) حال العجز لحديث { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } .

                                                                                                                      ( فإن مات ) من وجد الزاد والراحلة ( قبل وجود هذين الشرطين ) أي : سعة الوقت وأمن الطريق [ ص: 393 ] ( أخرج عنه من ماله من ينوب عنه ) على القول ( الثاني ) لموته بعد وجوبه عليه ( دون ) القول ( الأول ) لعدم وجوبه عليه ( ويأتي ) ذلك .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية