الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3364 [ 1319 ] وعنه قال : لما كان يوم خيبر، قاتل أخي قتالا شديدا مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وشكوا فيه: رجل مات في سلاحه، وشكوا في بعض أمره، قال سلمة: فقفل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خيبر. فقلت: يا رسول الله! ائذن لي أن أرجز بك، فأذن الرسول - صلى الله عليه وسلم-، فقال عمر بن الخطاب: أعلم ما تقول، قال: فقلت:


                                                                                              والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا

                                                                                              فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: صدقت.


                                                                                              فأنزلن سكينة علينا     والمشركون قد بغوا علينا

                                                                                              فلما قضيت رجزي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: من قال هذا؟ قلت: قاله أخي، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: يرحمه الله. قال: فقلت يا رسول الله! والله إن ناسا ليهابون الصلاة عليه، يقولون: رجل مات بسلاحه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "مات جاهدا مجاهدا" .

                                                                                              وفي رواية : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "كذبوا ، مات جاهدا مجاهدا ، فله أجره مرتين - وأشار بإصبعيه .


                                                                                              رواه مسلم (1802) (124).

                                                                                              [ ص: 667 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 667 ] وقوله : ( لما كان خيبر قاتل أخي قتالا شديدا ) ; القصة مخالفة لما ذكره في الرواية المتقدمة ، ولما يأتي بعد في أن هذه القضية إنما وقعت لعمه عامر بن الأكوع ، وهو الصحيح ، فلعل سلمة أطلق على عمه اسم الأخوة لرضاع كان بينهما ، أو لمؤاخاة ، وإلا فهو وهم من بعض الرواة ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقوله : ( إنه لجاهد مجاهد ) الرواية الصحيحة المشهورة : بكسر الهاء فيهما ، وضم الدال وتنوينها فيهما ، وضم الميم . وعند ابن أبي جعفر : (لجاهد مجاهد) ، بفتحها كلها إلا هاء (مجاهد) فإنها بالكسر . على أن يكون الأول : فعلا ماضيا ، والثاني : جمعا لا نظير له في الآحاد ، فلم يصرفه . وكذلك رواه بعض رواة البخاري . والصواب الأول . ومعناه : جاهد جاد في أمره . قاله ابن دريد . والثاني : تكرار على جهة التأكيد . قال ابن الأنباري : العرب إذا بالغت في الكلام اشتقت من اللفظة الأولى لفظة على غير بنائها ، زيادة في التوكيد . فقالوا : جاد مجد ، وليل لائل ، وشعر شاعر . قال غيره : وقد يكون ( جاهد ) ; أي : مبالغ في سبيل الخير . و ( مجاهد ) لأعدائه .

                                                                                              قلت : ويظهر لي : أن هذا القول أحسن بدليل قوله في الرواية الأخرى : (مات جاهدا مجاهدا ، فله أجره مرتين) ; فأشار بفاء التعليل إلى الجهتين اللتين يؤجر منهما ، وهما : جاهد مجاهد . فمعنى أحدهما غير الآخر. والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقوله : ( قل عربي مشى بها مثله ) ; أكثر الروايات على أن ( مشى ) مفتوح [ ص: 668 ] الميم على أنه فعل ماض ، و ( بها ) بغير تنوين الهاء ، على أنه جار ومجرور . وللفارسي وحده : (مشابها) - بضم الميم ، وتنوين الهاء- من المشابهة . وفي البخاري لبعض الرواة : (نشأ بها) من النشء . وكل بعيد في المعنى والعربية ، والصواب رواية الجماعة ، والضمير في ( بها ) عائد على الأرض ، وقيل : على الحرب .

                                                                                              قلت : ويحتمل أن يعود على الشهادة والحالة الحسنة التي مضى بها إلى الله تعالى. وهذا يعضده المعنى ، ومساق الكلام. والله تعالى أعلم.




                                                                                              الخدمات العلمية