الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد نظم في النهر ما يصح مع الإكراه فقال : [ ص: 236 ] طلاق وإيلاء ظهار ورجعة نكاح مع استيلاد عفو عن العمد     رضاع وأيمان وفيء ونذره
قبول لإيداع [ ص: 237 ]     كذا الصلح عن عمد
طلاق على جعل يمين به أتت     كذا العتق والإسلام تدبير للعبد
وإيجاب إحسان وعتق فهذه     صح مع الإكراه عشرين في العد
.

التالي السابق


مطلب في المسائل التي تصح مع الإكراه ( قوله طلاق ) أطلقه فشمل البائن بقسميه والرجعي وهو مع ما عطف عليه مبتدأ والخبر محذوف تقديره تصح مع الإكراه دل عليه قوله آخرا فهذه تصح مع الإكراه ثم إن كان الزوج قد وطئ فلا رجوع له على المكره ، وإلا فله الرجوع بنصف المسمى كذا ذكره المصنف في الإكراه ط ( قوله وإيلاء ) فإن تركت أربعة أشهر بانت منه ، فإن لم يكن دخل بها وجب نصف المهر ولم يرجع به على الذي أكرهه كافي ( قوله نكاح ) يشمل ما إذا أكره الزوج أو الزوجة على عقد النكاح كما هو مقتضى إطلاقهم ، خلافا لما قيل من أن العقد لا يصح إذا أكرهت هي عليه ، كما أوضحناه في النكاح قبيل قوله وشرط حضور شاهدين فافهم ( قوله مع استيلاد ) بكسر الدال من غير تنوين لضرورة النظم ح . وصورته : أن يكرهه على استيلاد أمته ، فإذا وطئها وأتت بولد ثبت منه . ولا يجوز له نفيه ط وفيه أن هذا إكراه على فعل حسي وهو الوطء ترتب عليه حكم آخر وهو صيرورتها أم ولد وأمثلته كثيرة ; كما لو أكره على دخول دار علق عتق عبده على دخولها فإنه يعتق ولا يضمن له المكره شيئا وأكره على شراء عبد علق عتقه على ملكه له فإنه يعتق وعليه قيمته للبائع ولا يرجع على المكره بشيء كما في كافي الحاكم من الإكراه .

قال : وكذا لو أكرهه على شراء ذي رحم محرم منه ، أو أمة قد ولدت منه ، أو أمة قد جعلها مدبرة إذا ملكها ا هـ وصوره الرحمتي بأن يكره على أن يقر بأنها أم ولده ، وفيه ما علمته مما نقلناه قبله عن الكافي أيضا ، والله أعلم ( قوله عفو عن العمد ) أي لو وجب له على رجل قصاص في نفس أو فيما دونها فأكره بوعيد تلف أو حبس حتى عفا فالعفو جائز ، ولا ضمان له على الجاني ولا على المكره لأنه لم يتلف له مالا ، وكذلك الشهود إذا رجعوا فلا ضمان عليهم ولو وجب له على رجل حق من مال أو كفالة بنفس أو غير ذلك فأكره بوعيد بقتل أو حبس حتى أبرأه من ذلك كانت البراءة باطلة كذا في الكافي ، وبه علم أنه احترز بالعمد عن الخطأ لأن موجبه المال فلا تصح البراءة منه ( قوله رضاع ) يرد عليه ما ذكرناه في الاستيلاد فإنه أيضا فعل حسي ترتب عليه حكم آخر ، وهذا لا ينحصر كما علمته ; وكذا يقال مثله ما لو أكره على الخلوة بزوجته أو على وطئها فإنه يتقرر عليه جميع المهر وكذا لو أكره على وطء أم زوجته أو بنتها تحرم عليه زوجته .

( قوله وأيمان ) جمع يمين . قال في الكافي في باب الإكراه على النذر واليمين : ولو أكره رجل بوعيد تلف حتى جعل على نفسه صدقة لله تعالى أو صوما أو حجا أو عمرة أو غزوة في سبيل الله تعالى أو بدنة أو شيئا يتقرب به إلى الله تعالى لزمه ذلك ولا ضمان على المكره وكذلك لو أكرهه على اليمين بشيء من ذلك أو بغيره من الطاعات أو المعاصي . ا هـ . ( قوله وفيء ) أي في الإيلاء بقول أو فعل ذكره الشارح في الإكراه ( قوله ونذره ) قدمنا الكلام عليه قريبا ( قوله قبول لإيداع ) أخذ في البحر من قوله في القنيةأكره [ ص: 237 ] على قبول الوديعة فتلفت في يده فلمستحقها تضمين المودع ا هـ بناء على أن المودع بفتح الدال . قال في النهر بعد نقله : ثم ظهر لي أنه بكسر الدال ، فليس من البزازية قال : أكره بالحبس على إيداع ماله عند هذا الرجل وأكره المودع أيضا على قبوله فضاع لا ضمان على المكره والقابض ، لأنه ما قبضه لنفسه كما لو هبت الريح فألقته في حجره فأخذه ليرده فضاع في يده لا يضمن . ا هـ .

قلت : وحاصله أن التعليل المذكور يدل على أن المستحق للوديعة في مسألة القنية ليس له تضمين المودع بالفتح لأنه إذا كان مكرها على قبولها لم يكن قابضا لنفسه ، فتعين أنه بالكسر لأنه دفعها باختياره فللمستحق تضمينه ولكن مع هذا أيضا لو صح قراءته بالفتح لم يكن من هذه المواضع أيضا لأن الكلام فيما يصح مع الإكراه ، وتضمينه يدل على أنه لم يصح قبولها للوديعة لأن حكم المودع بالفتح عدم الضمان بالتلف فتأمل ( قوله كذا الصلح عن عمد ) أي قبول القاتل الصلح عن دم العمد على مال ، كذا في البحر : أي إذا أكره على أن يصالح صاحب الحق على مال أكثر من الدية أو أقل فصالحه بطل الدم ولم يلزم الجاني شيء كما في كافي الحاكم ، وذكر قبله أنه لو أكره ولي دم العمد على أن صالح منه على ألف فلا شيء له غير الألف ا هـ وإنما لزم المال القاتل في الثانية لأنه غير مكره ( قوله طلاق على جعل ) أي قبول المرأة الطلاق على مال بحر ، فيقع الطلاق ولا شيء عليها من المال ولو كان مكان التطليقة خلع بألف درهم كان الطلاق بائنا ولا شيء عليها ، ولو كان هو المكره على الخلع على ألف وقد دخل بها وهي غير مكرهة وقع الخلع ولزمها الألف ، وتمامه في الكافي .

( قوله يمين به أتت ) أي بالطلاق وفاعل أتت ضمير اليمين ح . والمراد به تعليق الطلاق على شيء ، كما إذا أكره على أن يقول إن كلمت زيدا فزوجتي كذا ( قوله كذا العتق ) أي الإكراه على اليمين بالعتق . وأما الإكراه على نفس العتق فسيأتي فافهم ، كما لو أكره على أن قال إن دخلت الدار فأنت أو أكلت أو شربت ففعل يعتق العبد ويغرم الذي أكرهه قيمته وتمامه في الكافي ( قوله والإسلام ) ولو من ذمي كما أطلقه كثير من المشايخ . وما في الخانية من التفصيل بين الذمي فلا يصح والحربي فيصح فقياس والاستحسان صحته مطلقا أفاده الشارح في الإكراه ط ، ولو كان أكرهه على الإقرار بالإسلام فيما مضى فالإقرار باطل ، وكذا في الكافي ( قوله تدبير للعبد ) بضم الراء من غير تنوين للضرورة ح ، وتقييده بالعبد لمناسبة الروي والأمة مثله ط ( قوله وإيجاب إحسان ) أي إيجاب صدقة بحر ، وتقدم نقله عن الكافي .

( قوله وعتق ) ويرجع بقيمة العبد على المكره إذا أعتقه لغير كفارة ، وإلا فلا رجوع كما ذكره المصنف في الإكراه ط وشمل العتق بالفعل كما لو أكرهه على شراء محرمة لكنه لا يرجع على المكره بشيء كما قدمناه عن الكافي ، وبه صرح في البزازية من الإكراه خلافا لما يوهمه ما نقله الشارح في الإكراه عن ابن الكمال فافهم ( قوله عشرين في العد ) حال من فاعل تصح . قال في النهر : وهي ترجع إلى ستة عشر لدخول إيجاب الإحسان في النذر ودخول الطلاق على جعل ، واليمين بالطلاق في الطلاق ، ودخول اليمين في العتق بالعتق . ا هـ . ح وتقدم عن النهر أن قبول الإيداع ليس منها فعادت إلى خمسة عشر ، وقدمنا أن الاستيلاد والرضاع من الأفعال الحسية المترتب عليها أمر آخر فلا ينبغي تخصيصهما بالذكر فعادت إلى ثلاثة عشر ، وقد زدت عليها خمسة أخر التقطتها من إكراه كافي الحاكم : [ ص: 238 ] الأولى الخلع على مال ، بأن أكره على خلع امرأته على ألف وقد تزوجها على أربعة آلاف ودخل بها والمرأة غير مكرهة فالخلع واقع ولها عليها الألف ; ولا شيء على الذي أكرهه .

ولو كانت هي المكرهة كان الطلاق بائنا ولا شيء عليها الثانية الفسخ ، كما لو أعتقت ولها زوج حر لم يدخل بها فأكرهت على أن اختارت نفسها في مجلسها بطل المهر عن الزوج ولا شيء على المكره ، ولو كان دخل بها الزوج قبل ذلك فالمهر لمولاها على الزوج ولا يرجع على المكره الثالثة التكفير ، كما لو أكره بوعيد تلف على أن يكفر يمينا قد حنث فيها ولا رجوع له على المكره وإن أكرهه على عتق عبده هذا عنها لم يجزه وعلى المكره قيمته ; ولو أكره بالحبس أجزأه عنها وكذلك كل شيء وجب عليه لله تعالى من نذر أو هدي أو صدقة أو حج فأكره على أن يمضيه ولم يأمره المكره بشيء بعينه أجزأه ولا ضمان على المكره . الرابعة ما كان شرطا لغيره كما لو علق عتق عبد على شرائه أو طلاق زوجته على دخول الدار فأكره على الشراء أو الدخول أو أكره على شراء ذي محرمه أو أمة قد ولدت منه ونحو ذلك ، ويدخل فيه الرضاع فإنه شرط للمحرمية والاستيلاد أي الوطء لطلب الولد فإنه شرط لثبوته منه أيضا الخامسة ما قدمناه من التوكيل بالطلاق والعتق ، فقد صارت ثماني عشرة صورة نظمتها بقولي : طلاق وإعتاق نكاح ورجعة ظهار وإيلاء وعفو عن العمد يمين وإسلام وفيء ونذره
قبول لصلح العمد تدبير للعبد ثلاث وعشر صححوها لمكره
وقد زدت خمسا وهي خلع على نقد وفسخ وتكفير وشرط لغيره
وتوكيل عتق أو طلاق فخذ عدي .




الخدمات العلمية