الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( كما ) يقع البائن ( لو قال : أنت طالق طلقة تملكي بها نفسك ) لأنها لا تملك نفسها إلا بالبائن ولو قال أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك له الرجعة ; وقيل : لا جوهرة . ورجح في البحر الثاني ، وخطأ من أفتى بالرجعي في التعاليق ، وقول الموثقين تكون طالقا طلقة تملك بها نفسها إلخ ; [ ص: 279 ] لكن في البزازية وغيرها قال للمدخولة : إن طلقتك واحدة فهي بائنة أو ثلاثا ثم طلقها يقع رجعيا ، الوصف لا يسبق الموصوف ، وكذا لو قال : إن دخلت الدار فكذا ثم قبل دخولها الدار قال جعلته بائنا أو ثلاثا لا يصح لعدم وقوع الطلاق عليها انتهى ، ومفاده وقوع الطلاق الرجعي في : متى تزوجت عليك فأنت طالق طلقة تملكين بها نفسك ، إذ غايته مساواته لأنت بائن ، والوصف لا يسبق الموصوف .

كذا حرره المصنف هنا وفي الكنايات : [ ص: 280 ] ( بخلاف ) أنت طالق ( أكثره ) أي الطلاق ( بالتاء المثناة من فوق فإنه يقع به الثلاث ، ولا يدين في ) إرادة ( الواحدة ) كما لو قال أكثر الطلاق أو أنت طالق مرارا أو ألوفا أو لا قليل ولا كثير فثلاث هو المختار كما في الجوهرة . [ ص: 281 ] ولو قال : أقل الطلاق فواحدة ; ولو قال عامة الطلاق أو أجله أو لونين منه أو أكثر الثلاث أو كبير الطلاق فثنتان ، وكذا لا كثير ولا قليل على الأشبه مضمرات . وفي القنية : طلقتك آخر الثلاث تطليقات فثلاث وطالق آخر ، ثلاث تطليقات فواحدة . والفرق دقيق حسن .

التالي السابق


( قوله كما لو قال إلخ ) يشعر كلام المصنف في المنح أن هذا الفرع غير منقول حيث قال : فإنه يقع به الطلاق البائن كما أفتى به مولانا صاحب البحر ، واستظهر له بما في البدائع من قوله إذا وصف الطلاق بصفة تدل على البينونة كان بائنا إلخ ( قوله تملكي بها نفسك ) حقه أن يقال تملكين لأنه مضارع مرفوع بالنون ، نعم سمع حذفها في قول الشاعر :

أبيت أسري وتبيتي تدلكي وجهك بالعنبر والمسك الذكي

وهو لغة خرج عليها بعض المحققين حديث { كما تكونوا يولى عليكم } وحديث { لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا } ( قوله لأنها لا تملك نفسها إلا بالبائن ) صرح به في البدائع ، وقال أيضا إذا وصف الطلاق بصفة تدل على البينونة كان بائنا ا هـ وهذه الصفة بمعنى قوله أنت طالق طلقة بائنة لأن ملكها نفسها ينافي الرجعي الذي يملك هو رجعتها فيه بدون رضاها . ( قوله ورجح في البحر الثاني ) وذلك أنه تقدم أنه إذا وصف الطلاق بضرب من الشدة والزيادة يقع به البائن عندنا . وقال الشافعي : يقع به الرجعي لأنه خلاف المشروع فيلغو كما إذا قال أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك . ورده في الهداية بأنه وصفه بما يحتمله وبأن مسألة الرجعة ممنوعة : أي لا نسلم أنه يقع فيها الرجعي بل تقع واحدة بائنة كما في العناية والفتح وغاية البيان والتبيين . قال في البحر : فقد علمت أن المذهب في مسألة الرجعة وقول البائن ( قوله وخطأ ) أي نسبه إلى الخطأ ، مثل فسقته نسبته إلى الفسق ، وقوله وقول الموثقين بالجر قال ح : عطف تفسير على التعاليق وهو بكسر الثاء المثلثة وهم عدول دار القاضي [ ص: 279 ] ويسمون بالشهود ، وسموا موثقين لأنهم يوثقون من يشهد ببيان أنه ثقة ا هـ أو لأنهم يكتبون صكوك الوثائق أفاده ط . قلت : وأصل المسألة التي ذكرها صاحب البحر . وقد ألف فيها رسالة أيضا هي : أن رجلا قال لزوجته : متى ظهر لي امرأة غيرك أو أبرأتني من مهرك فأنت طالق واحدة تملكين بها نفسك ثم ظهر له امرأة غيرها وأبرأته من مهرها . فأجاب بأنه بائن ورد على من أفتى بأنه رجعي ( قوله لكن في البزازية إلخ ) انتصار لذلك المفتي . ورده الخير الرملي في حواشي المنح بأن المعلق في حادثة التعاليق هو الطلاق الموصوف بالبينونة . وفي مسألة البزازية : المعلق وصف البينونة فقط والموصوف لم يوجد بعد ، فهو في مسألة التعاليق كأنه قال : إن تزوجت عليك فأنت طالق بائنا ولا قائل بمنعه تأمل ا هـ .

والحاصل أنه في مسألة البزازية الأولى قد علقت الصفة وحدها على وجود الموصوف ، والحكم في المعلق أنه لولا التعليق لوجد في الحال ، ولا يمكن أن يوجد في الحال بينونة طلقة غير موجودة ولا كونها ثلاثا لأن الوصف لا يسبق موصوفه ، وكذا في المسألة الثانية جعل الطلقة المعلقة بائنة أو ثلاثا قبل وجودها فيلزم أيضا سبق الصفة موصوفها فافهم ( قوله ومفاده إلخ ) هذه عبارة المصنف في الكنايات مع بعض تغيير ، وقد علمت الفرق بين المقيسة والمقيس عليها ( قوله مساواته لأنت بائن ) كان حق التعبير أن يقال مساواته لهو بائن بناء على ما فهمه من أنه تعليق لوصف الطلاق فقط ، وقد علمت عدم المساواة ، نعم هو مساو لأنت بائن على ما قاله صاحب البحر من أنه تعليق للموصوف وصفته معا فصار في معنى متى تزوجت عليك فأنت بائن ، فهذا نطق بالحق بلا قصد . [ تتمة ] يقع كثيرا في كلام العوام : أنت طالق تحلي للخنازير وتحرمي علي وأفتى في الخيرية بأنه رجعي لأن قوله وتحرمي علي إن كان للحال فخلاف المشروع لأنها لا تحرم إلا بعد انقضاء العدة ، وإن كانت للاستقبال فصحيح ولا ينافي الرجعة ، وكذلك أفتى بالرجعي في قولهم أنت طالق لا يردك قاض ولا عالم لأنه لا يملك إخراجه عن موضوعه الشرعي .

وأيده في حواشيه على المنح بما في الصيرفية : لو قال : أنت طالق ولا رجعة لي عليك فرجعية ، ولو قال : على أن لا رجعة لي عليك فبائن ا هـ وقال : إن قولهم لا يردك قاض إلخ مثل قوله ولا رجعة لي عليك لأن حذف الواو كإثباتها كما لو ظاهر ، لا مثل علي أن لا رجعة ا هـ . قلت : والفرق أن علي أن لا رجعة قيد للطلاق لأنه شرط فيه ، فهو في معنى أنت طالق طلاقا مشروطا فيه عدم الرجعة : أي طلاقا بائنا ، فهو داخل تحت القاعدة من أنه إذا وصف الطلاق بضرب من الشدة والزيادة يقع به البائن كما مر عن الهداية . أما ولا رجعة لي عليك فليس صفة للطلاق بل هو كلام مستأنف أخبر به عما هو خلاف الشرع ، فإن الشرع هو وقوع الرجعي بأنت طالق ; فقوله ولا رجعة لغو ، مثل قوله : أنت طالق وبائن أو ثم بائن بلا نية كما مر ، وكذا قولهم لا يردك قاض إلخ ليس صفة للطلاق بل هو صفة للمرأة فلم يدخل تحت القاعدة [ ص: 280 ] المذكورة ; ومثله تحلي للخنازير وتحرمي علي .

وقد خفي ذلك على الرحمتي فجزم بأن هذا وما في الصيرفية من الفرق بين المسألتين مخالف للقاعدة المذكورة ، نعم ولو قصد بقوله وتحرمي علي إيقاع الطلاق وقع به أخرى بائنة ما لم ينو به الثلاث فثلاث كما في أنت طالق وبائن كما قدمناه ، ومثله قول العوام في زماننا أيضا : أنت طالق كلما أحلك الشيخ حرمك شيخ ، فإن مرادهم بالثاني تأبيد الحرمة ، فهو بمنزلة قوله كلما حللت لي حرمت علي فكلما عقد عليها بانت منه إلا أن يريد بذلك الكلام الإخبار عن الطلاق المذكور دون إنشاء التحريم ودون جعل هذه الجملة صفة للطلاق المذكور فلا تحرم أبدا لأنه إخبار بخلاف المشروع ، لكن العامي لا يفهم ذلك ، بل الظاهر أنه يريد إنشاء تأبيد الحرمة ; فما وقع في فتاوى الشيخ إسماعيل الحائك من وقوع الرجعي به فقط مرة واحدة غير ظاهر ، فاغتنم تحرير هذا المحل فإنه مما يخفى .

( قوله بالتاء المثناة من فوق ) الظاهر أنه قيد بذلك ليعلم بالأولى ما إذا قاله بالثاء المثلثة ، وليفيد أن هذا التحريف هنا لا يضر لأن ذلك صار لغة عامية ، وقد مر أن الطلاق يقع بالألفاظ المصحفة ، فلا يرد ما اعترض به في الخيرية على المصنف من أن هذا ذهول منه وأن المذكور في كلامهم ضبطه بالمثلثة ، ولم نر أحدا ضبطه بالمثناة . وعبارة البحر إلا أكثره بالثاء المثلثة فإنه يقع به الثلاث ، ولا يدين إذا قال نويت واحدة ( قوله ولا يدين في إرادة الواحدة ) مفهومه أنه يدين في إرادة الثنتين ، ووجهه أن أفعل التفضيل قد يراد به أصل الفعل : أي كثير الطلاق ، فكان محتمل كلامه فيصدق ديانة . ا هـ . ح قلت : لكن يأتي ترجيح أن الكثير ثلاث لا اثنتان ، وحينئذ فلا فرق بين أكثر وكثير فافهم ( قوله كما لو قال : أكثر الطلاق ) أي بالثاء المثلثة ، وأشار به إلى ما قلنا من أن ضبطه بالمثناة ليس للاحتراز عن المثلثة ( قوله أو أنت طالق مرارا ) في البحر عن الجوهرة : لو قال : أنت طالق مرارا تطلق ثلاثا إن كان مدخولا بها كذا في النهاية . ا هـ .

وذكر في البحر قبله بأكثر من ورقة عن البزازية : أنت علي حرام ألف مرة تقع واحدة ا هـ وما في البزازية ذكره في الذخيرة أيضا ، وذكره الشارح آخر باب الإيلاء . أقول : ولا يخالف ما في الجوهرة ، لأن قوله ألف مرة بمنزلة تكريره مرارا متعددة ، والواقع به في أول مرة طلاق بائن ، ففي المرة الثانية لا يقع شيء لأن البائن لا يلحق إذا أمكن جعل الثاني خبرا عن الأول ، كما في أنت بائن أنت بائن كما يأتي بيانه في الكنايات ، بخلاف ما إذا نوى الثلاث بأنت حرام أو بأنت بائن فإنه يصح " لأن لفظ واحدة صالح للبينونة الصغرى والكبرى ، وقوله : أنت طالق مرارا بمنزلة تكرار هذا اللفظ ثلاث مرات فأكثر ، والواقع بالأولى رجعي ، وكذا بما بعدها إلى الثالثة لأنه صريح ، والصريح يلحق الصريح ما دامت في العدة ، ولذا قيد بالمدخول بها لأن غيرها تبين بالمرة الأولى لا إلى عدة فلا يلحقها ما بعدها ، فاغتنم تحرير هذا المقام فقد خفي على كثير من الأفهام .

( قوله أو ألوفا ) جمع ألف ح أي فيقع به الثلاث ويلغو الزائد ( قوله أو لا قليل إلخ ) عبارة الجوهرة : وإن قال أنت طالق لا قليل ولا كثير تقع ثلاثا هو المختار لأن القليل واحدة والكثير ثلاث " فإذا قال أولا : لا قليل فقد قصد الثلاث ثم لا يعمل قوله ولا كثير بعد ذلك . ا هـ . قلت : لكن في الخلاصة والبزازية يقع الثلاث في المختار . وقال الفقيه أبو جعفر : ثنتان في الأشباه ا هـ ذكر في الذخيرة أن الأول اختيار الصدر الشهيد وعلله بما مر . [ ص: 281 ] ثم قال : وحكي عن أبي جعفر الهندواني أنه يقع ثنتان لأنه لما قال : لا قليل فقد قصد إيقاع الثنتين ، لأن الثنتين كثير فلا يعمل قوله ولا كثير بعد ذلك ، وهذا القول أقرب إلى الصواب . ا هـ . وفي الخانية أنه الأظهر ا هـ وبه علم أنهما قولان مرجحان ، ومبناهما على الاختلاف في الكثير .

ففي البحر عن المحيط : ولو قال : أنت طالق كثيرا ذكر في الأصل أنه يقع الثلاث لأن الكثير هو الثلاث وذكر أبو الليث في الفتاوى يقع ثنتان . ا هـ . قلت : وينبغي أرجحية القول الأول ، لأن الأصل من كتب ظاهر الرواية ، وهو مقدم على ما في الفتاوى ( قوله فواحدة ) أي رجعية لعدم ما يفيد البائن " ولأن الرجعي أقل الطلاق ( قوله ولو قال : عامة الطلاق ) إنما وقع به ثنتان لكثرة استعماله في الغالب وغالب الطلاق ثنتان ط ( قوله أو أجله ) كأنه تحريف من الكاتب . والذي في البحر جله بضم الجيم وتشديد اللام ، وكذا في الذخيرة . وجل الشيء : معظمه أما الأجل فينبغي أن يكون ثلاثا رحمتي . والأحسن ما قاله ط من أنه إن نوى بالأجل الأعظم من جهة الكم فثلاث ، أو من جهة موافقته للسنة فواحدة رجعية في طهر لا وطء فيه ولا في حيض قبله ( قوله أو لونين منه ) وهما طلقتان رجعيتان ; ولو قال : ثلاثة ألوان فثلاثة .

وكذلك لو قال ألوانا من الطلاق فثلاثة ، وإن نوى ألوان الحمرة والصفرة صح ديانة ، وكذا ضروبا أو أنواعا أو وجوها من الطلاق ذخيرة . قلت : وينبغي فيما لو نوى ألوان الحمرة والصفرة أن يكون الواقع واحدة بائنة لما مر من أصل الإمام فيما إذا وصف الطلاق ( قوله وكذا لا كثير ولا قليل ) الذي في البحر عن المحيط أنه يقع به واحدة وكذا في الذخيرة والبزازية والخلاصة والجوهرة وغيرها ; فليراجع كتاب المضمرات ; نعم كل وجه فوجه الواحدة أنه لما نفى الكثير أثبت القليل فلا يفيد نفيه بعد . ووجه الثنتين أن الكثير ثلاث والقليل واحدة ، فإذا نفاهما ثبت ما بينهما ( قوله والفرق دقيق حسن ) وجه الفرق أنه أضاف الآخر إلى ثلاث معهودة ومعهوديتها بوقوعها بخلاف المنكر . ا هـ . ح . أقول : هذا بعد تسليمه إنما يتم بناء على ما ذكره الشارح تبعا للبحر في أول باب الطلاق الصريح من تعريف لفظ ثلاث في الأولى وتنكيره في الثانية مع أنه منكر في الصورتين كما رأيته في عدة كتب كالتتارخانية والهندية والذخيرة والبزازية وقد ذكر الفرق في البزازية بأن الآخر هو الثالث ، ولا يتحقق إلا بتقدم مثليه ، عليه لكنه في الأولى أخبر عن إيقاع الثلاث ، وفي الثانية وصف المرأة بكونها آخر الثلاث بعد الإيقاع وهي لا توصف بذلك فبقي أنت طالق وبه تقع الواحدة . ا هـ .

فمناط الفرق في التعبير بالفعل الماضي في الأول واسم الفاعل في الثاني لا من التعريف والتنكير فافهم ممكن ومقتضاه أن لفظ آخر في الثانية مرفوع خبرا وثانيا عن أنت ليصير وصفا للمرأة ; أما لو كان منصوبا يكون وصفا للطلاق فيساوي الصورة الأولى ، واحتمال كونه منصوبا على الظرفية خبرا ثانيا بعيد




الخدمات العلمية