الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الصريح يلحق الصريح و ) يلحق ( البائن ) بشرط العدة ( والبائن يلحق الصريح ) الصريح ما لا يحتاج إلى نية بائنا كان الواقع به أو رجعيا فتح ، [ ص: 307 ] فمنه الطلاق الثلاث فيلحقهما ، وكذا الطلاق على مال فيلحق الرجعي ويجب المال ، والبائن ولا يلزم المال كما في الخلاصة فالمعتبر فيه اللفظ لا المعنى على المشهور

التالي السابق


مطلب الصريح يلحق الصريح والبائن

( قوله الصريح يلحق الصريح ) كما لو قال لها : أنت طالق ثم قال أنت طالق أو طلقها على مال وقع الثاني بحر ، فلا فرق في الصريح الثاني بين كون الواقع به رجعيا أو بائنا ( قوله ويلحق البائن ) كما لو قال لها أنت بائن أو خلعها على مال ثم قال أنت طالق أو هذه طالق بحر عن البزازية ، ثم قال : وإذا لحق الصريح البائن كان بائنا لأن البينونة السابقة عليه تمنع الرجعة كما في الخلاصة . وقال أيضا : قيدنا الصريح اللاحق للبائن بكونه خاطبها به وأشار إليها للاحتراز عما إذا قال كل امرأة له طالق فإنه لا يقع على المختلعة إلخ وسيذكره الشارح في قوله ويستثنى ما في البزازية إلخ ويأتي الكلام فيه ( قوله بشرط العدة ) هذا الشرط لا بد منه في جميع صور اللحاق ، فالأولى تأخيره عنها . ا هـ . ح ( قوله الصريح ما لا يحتاج إلى نية ) من هنا إلى قوله على المشهور كان الواجب ذكره قبل قوله والبائن يلحق الصريح لأن هذا كله من متعلقات الجملة الأولى أعني قوله الصريح يلحق الصريح والبائن ولأن المراد بالصريح في الجملة الثانية خصوص الرجعي كما تعرفه قريبا ، يعني أن المراد بالصريح هنا حقيقته لا نوع خاص منه وهو ما وقع به الرجعي فقط بل الأعم .

وأما الكناية الرواجع كاعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة وما ألحق بها فإنها وإن كانت تلحق البائن في ظاهر الرواية بشرط النية لكنها لما وقع بها الرجعي كانت في معنى الصريح كما في البدائع : أي فهي ملحقة بالصريح في حكم اللحاق للبائن ، أفاده في البحر .

وقال في المنح : إن صحة هذه الألفاظ بالإضمار ; فإن معنى قوله أنت واحدة أنت طالق طلقة واحدة فيصير الحكم للصريح ، لكن لا بد من النية ليثبت هذا المضمر ا هـ فأفاد وجه كونها في حكم الصريح وهو كونه مضمرا فيها وأن الإيقاع إنما هو به لا بها نفسها لكن ثبوته مضمرا توقف على النية وبعد ثبوته بالنية لا يحتاج إلى نية . قال ح : ولا يرد أنت علي حرام على المفتى به من عدم توقفه على النية مع أنه لا يلحق البائن ، ولا يلحق البائن لكونه بائنا لما أن عدم توقفه على النية أمر عرض له لا بحسب أصل وضعه . ا هـ . ( قوله بائنا كان الواقع به أو رجعيا ) يؤيده ما قدمناه في أول فصل الصريح عن البدائع من أن الصريح نوعان : صريح رجعي ، وصريح بائن ، وحينئذ

[ ص: 307 ] فيدخل فيه الطلاق الرجعي والطلاق على مال وكذا ما مر قبل فصل طلاق غير المدخول بها من ألفاظ الصريح الواقع بها البائن ، مثل : أنت طالق بائن أو ألبتة أو أفحش الطلاق أو طلاق الشيطان أو طلقة طويلة أو عريضة إلخ فهذا كله صريح لا يتوقف على النية ، ويقع به البائن ويلحق الصريح والبائن . قال في الخلاصة : والصريح يلحق البائن وإن لم يكن رجعيا .

هذا ، وفي المنصوري شرح المسعودي للراسخ المحقق أبي منصور السجستاني : المختلعة يلحقها صريح الطلاق إذا كانت في العدة ، والكناية أيضا تلحقها إذا كانت في حكم الصريح كاعتدي إلخ . ثم قال : والكنايات والبوائن لا تلحقها أي المختلعة ، وإن كان الطلاق رجعيا يلحقها الكنايات لأن ملك النكاح باق . قال في عقد الفرائد : هذا مؤيد لما في الفتح ; ومعنى العطف في قول المنصوري ( والبوائن ) ما أوقع من البوائن لا بلفظ الكنايات فإنه يلغو ذكر البائن كما أطبقوا عليه ا هـ ونقله في النهر وأقره أقول : والصواب أن الواو في والبوائن زائدة من الناسخ وأن مراد المنصوري الكنايات البوائن المقابلة للكنايات الرجعية التي ذكرها قبله لما علمته من أن البوائن بغير لفظ الكناية من الصريح الذي يلحق البائن وإلا صار منافيا لكلام الفتح لا مؤيدا له فتدبر ( قوله فمنه إلخ ) أي إذا عرفت أن قوله الصريح يلحق والبائن المراد بالصريح فيه ما ذكر ظهر أن منه الطلاق الثلاث فيلحقهما : أي يلحق الصريح والبائن ; فإذا أبان امرأته ثم طلقها ثلاثا في العدة وقع وهي واقعة حلب . قال في فتح القدير : الحق أنه يلحقها لما سمعت من أن الصريح وإن كان بائنا يلحق البائن ومن أن المراد بالبائن الذي لا يلحق هو ما كان كناية ا هـ وتبعه تلميذه ابن الشحنة في عقد الفرائد ، وكذا صاحب البحر والنهر والمنح والمقدسي والشرنبلالي وغيرهم ، وهو صريح ما نقلناه آنفا عن الخلاصة وأيده صاحب الدرر والغرر كما نذكره قريبا خلافا لمن رجح عدم وقوع الثلاث فإنه خلاف المشهور كما يأتي ( قوله وكذا الطلاق على مال ) أي أنه أيضا من الصريح وإن كان الواقع به بائنا ( قوله والبائن ) بالنصب معطوف على قوله الرجعي ( قوله ولا يلزم المال ) أي إذا أبانها ثم طلقها في العدة على مال وقع الثاني أيضا ، ولا يلزمها المال لأن إعطاءه لتحصيل الخلاص المنجز وأنه حاصل كما في البحر عن البزازية : أي بخلاف ما قبله ، فإنه إذا طلقها رجعيا توقف الخلاص على انقضاء العدة ; فإذا طلقها بعده بمال في العدة لزم المال لأنها بانت منه في الحال .

قال في البحر : ثم اعلم أن المال وإن لم يلزم أي في مسألتنا فلا بد في الوقوع من قبولها لأن قوله أنت طالق على ألف تعليق طلاقها بالقبول فلا يقع بلا وجود الشرط كما في البزازية فالمعتبر فيه أي في الصريح هنا اللفظ : أي كونه من ألفاظ الصريح وإن كان معناه أي الواقع به البائن ، والمراد باللفظ ما يشمل المضمر كما في الكنايات الرجعية كما مر ( قوله على المشهور ) رد على ما ذكره بعضهم في واقعة حلب المذكورة آنفا من أنه لا يقع الثلاث لأنه بائن في المعنى والبائن لا يلحق البائن ، واعتبار المعنى أولى من اعتبار اللفظ ، وجعله الأصح المفتى به أفاده المصنف .

قلت : وفي الحاوي الزاهدي عازيا إلى الأسرار لنجم الدين قال لها : أنت بائن ثم قال في العدة أنت طالق ثلاثا لا يقع الثلاث عند أبي حنيفة لكون الثلاث بينونة غليظة في المعنى . وعندهما يقع لكونها في اللفظ صريحا . والأصح قوله لأن الاعتبار للمعنى دون اللفظ ، ثم عزا إلى شرح العيون مثله ، ثم عزا إلى كتاب آخر . قال محمد [ ص: 308 ] لا يقع الثلاث ; والفتوى على قوله . قال : وفي فصول الأسروشني مثله ا هـ وقد تكفل برده المصنف في المنح ، ونقله عنه في الشرنبلالية وأقره . وقد تكرر أن الزاهدي ينقل الروايات الضعيفة فلا يتابع فيما ينفرد به وقد وجد النقل عن الخلاصة والبزازية وغيرهما بما يخالفه كما قدمناه . وقد استدل في الدرر واليعقوبية على خلافه أيضا كما نذكره قريبا ، ويكفينا قدوة ما ذكره في فتح القدير وتابعه عليه من بعده كما قدمناه فلذا اعتمده الشارح وجعله المشهور ومما يدل عليه قطعا أنه لو طلقها ثم خلعها ثم قال في عدة الخلع أنت طالق فهذا صريح لفظا بائن معنى وهو واقع قطعا ; فقد استدلوا على لحوق الصريح البائن بقوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } يعني الخلع ، ثم قال تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } إلخ والفاء للتعقيب . قال في الفتح : فهو نص على وقوع الثالثة بعد الخلع ا هـ ومثله في الدرر عن التلويح

وفي حواشي الخير الرملي قال في مشتمل الأحكام : والبائن لا يلحق البائن يعني البائن اللفظي ، أما البائن المعنوي يلحق اللفظي مثل الثلاث من المبسوط . ا هـ .




الخدمات العلمية