الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ فروع ] قال : أنت طالق إن شئت وإن لم تشائي طلقت للحال [ ص: 340 ] ولو قال : إن كنت تحبين الطلاق فأنت طالق ، وإن كنت تبغضينه فأنت طالق لم تطلق لأنه يجوز أن لا تحبه ولا تبغضه ولا يجوز أن تشاء ولا تشاء ، ولو قال لهما : أشدكما حبا للطلاق أو أشدكما بغضا له طالق فقالت كل أنا أشد حبا له لم يقع لدعوى كل أن صاحبتها أقل حبا منها فلم يتم الشرط ، ثم التعليق بالمشيئة أو الإرادة أو الرضا أو الهوى أو المحبة يكون تمليكا فيه معنى التعليق ، فيتقيد بالمجلس كأمرك بيدك بخلاف التعليق بغيرها .

التالي السابق


مطلب أنت طالق إن شئت وإن لم تشائي

( قوله إن شئت وإن لم تشائي ) اعلم أنه إذا جعل المشيئة وعدمها شرطا واحدا أو المشيئة والإباء فإنها لا تطلق أبدا للتعذر ، كأنت طالق إن شئت ولم تشائي ، أو إن شئت وأبيت ، وإن كرر إن وقدم الجزاء كأنت طالق إن شئت وإن لم تشائي فشاءت في المجلس أو لم تشأ تطلق لأنه جعل كلا منهما شرطا على حدة كقوله : أنت طالق إن دخلت الدار أو لم تدخلي ، وإن أخر الجزاء كإن شئت وإن لم تشائي فأنت طالق لا تطلق أبدا لأنه مع التأخير صارا كشرط واحد وتعذر اجتماعهما ، بخلاف ما إذا أمكن فلا تطلق حتى يوجدا كإن أكلت وإن شربت فأنت طالق ، وإن كرر إن وأحدهما المشيئة والآخر الإباء كأنت طالق إن شئت وإن أبيت وقع شاءت أو أبت ، وإن سكتت حتى قامت من المجلس لا يقع لأن كلا منهما شرط على حدة والإباء فعل كالمشيئة فأيهما وجد لا يقع .

وإذا انعدما لا يقع ، وكذا لو لم يكرر إن وعطف بأو كأنت طالق إن شئت أو أبيت لأنه علقه بأحدهما ; ولو قال إن شئت [ ص: 340 ] فأنت طالق وإن لم تشائي فأنت طالق طلقت للحال ، بخلاف إن كنت تحبين الطلاق فأنت طالق وإن كنت تبغضين فأنت طالق لأنه يجوز أن لا تحب ولا تبغض فلم يتيقن شرط الوقوع ، ولا يجوز أن تشاء ولا تشاء فيكون أحد الشرطين ثابتا لا محالة فوقع ; ولو قال أنت طالق إن أبيت أو كرهت فقالت أبيت تطلق ، ولو قال إن لم تشائي فأنت طالق فقالت لا أشاء لا تطلق لأن أبيت صيغة لإيجاد الإباء ، فقد علق بالإباء منها وقد وجد فوقع ، وقوله وإن لم تشائي صيغة للعدم لا للإيجاد فصار بمنزلة إن لم تدخلي الدار ، وعدم المشيئة لا يتحقق بقولها لا أشاء لأن لها أن تشاء من بعد ، وإنما يتحقق بالموت بحر عن المحيط . وذكر بعده أنه لو علقه بعدم مشيئة نفسه فهو كذلك ، بخلاف إن لم يشأ فلان فقال لا أشاء .

والفرق أن شرط البر في الأجنبي مشيئة طلاقها في المجلس ، وبقوله لا أشاء تبدل المجلس لأنه اشتغال بما لا يحتاج إليه إذ يكفيه في الإيقاع السكوت حتى يقوم ( قوله لم تطلق ) محله ما إذا قالت لا أحب ولا أبغض أو سكتت ، أما لو قالت أحب أو أبغض طلقت لأن التعليق بالمحبة ونحوها تعليق على الإخبار بذلك ولو كان مخالفا لما في الواقع كما سيأتي ( قوله ولا يجوز أن تشاء ولا تشاء ) لأن المشيئة تنبئ عن الوجود ولا واسطة بين الوجود وعدمه ( قوله أو أشدكما بغضا له ) هذه مسألة ثانية ، وقوله : فقالت كل أنا أشد حبا إلخ جواب المسألة الأولى وترك جواب المسألة الثانية لكونه معلوما بالمقايسة تقديره فقالت كل أنا أشد بغضا له لم يقع لدعوى كل أن صاحبتها أقل بغضا منها فلم يتم الشرط ح .

( قوله فقالت كل إلخ ) أي وكذبهما الزوج كما قيده في كافي الحاكم ، ومقتضاه لو صدقهما وقع عليهما لأن أفعل التفضيل ينتظم الواحد والأكثر كما سيأتي في الوقف فيما لو شرط النظر للأرشد تأمل ( قوله فلم يتم الشرط ) لأنها غير مصدقة في الشهادة على صاحبتها بحر : أي لأنها لا تكون أشد من الأخرى حبا أو بغضا إلا إذا كانت الأخرى أقل وهي لا تصدق ما في قلب الأخرى فلم يثبت كونها أشد من الأخرى ، ويقال في الأخرى كذلك فلم يثبت أشدية واحدة منهما فلم يتم شرط الوقوع على واحدة منهما ، ومقتضى التعليل أنه لو قالت واحدة منهما فقط أنا أشد لم يقع عليها ، إلا أن يقال في أن دعوى كل منهما تكذيب كل للأخرى ، بخلاف دعوى إحداهما ، وسيأتي في التعليق أنه لو قال إن كنت تحبين كذا فأنت كذا وفلانة فقالت أحب تصدق في حق نفسها تأمل ( قوله ثم التعليق بالمشيئة إلخ ) وكذا التعليق بكل ما هو من المعاني التي لا يطلع عليها غيرها بحر ط ( قوله فيتقيد بالمجلس ) وكذا إذا كانت كاذبة في الإخبار بالمحبة والبغض يقع ، بخلاف التعليق بالحيض ونحوه ، ثم إن هذا تفريع على التمليك ، قيل والأولى زيادة ولا يملك الرجوع عنه ليتفرع على كونه تعليقا فإنه أظهر من تفريعه على التمليك .

قلت : وفيه أن المراد بيان ما خالف التعليق بهذه المذكورات التعليق بغيرها وعدم الرجوع عنه مما توافق فيه الجميع فافهم ( قوله بخلاف التعليق بغيرها ) كالتعليق على الحيض أو على دخول الدار فإنه تعليق محض لا يتقيد بالمجلس ، وكذا لا يقع في نفس الأمر بالإخبار كذبا كما سيأتي ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية