الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6204 156 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني سعيد وعطاء بن يزيد ، أن أبا هريرة أخبرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم . ( ح ) وحدثني محمود ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي هريرة قال : قال أناس : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك ، يجمع الله الناس فيقول : من كان يعبد شيئا فليتبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا ، فيتبعونه ، ويضرب جسر جهنم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأكون أول من يجيز ودعاء الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم ، وبه كلاليب مثل شوك السعدان ، أما رأيتم شوك السعدان ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فإنها مثل شوك السعدان غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله ، فتخطف الناس بأعمالهم ، منهم الموبق بعمله ، ومنهم المخردل ، ثم ينجو حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة أن يخرجوهم فيعرفونهم بعلامة آثار السجود ، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود فيخرجونهم قد امتحشوا ، فيصب عليهم ماء يقال له : ماء الحياة ، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل ، ويبقى رجل منهم مقبل بوجهه على النار فيقول : يا رب قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فاصرف وجهي عن النار ، فلا يزال يدعو الله فيقول : لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره ؟ فيقول : لا وعزتك لا أسألك غيره فيصرف وجهه عن النار ثم يقول بعد ذلك : يا رب قربني إلى باب الجنة ، فيقول : أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك ، فلا يزال يدعو فيقول : لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره ، فيقول : لا وعزتك لا أسألك غيره ، فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره ، فيقربه إلى باب الجنة ، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول : [ ص: 132 ] رب أدخلني الجنة ، ثم يقول : أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك ، فيقول : يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فلا يزال يدعو حتى يضحك ، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها ، فإذا دخل فيها قيل له : تمن من كذا ، فيتمنى ثم يقال له : تمن من كذا ، فيتمنى حتى تنقطع به الأماني فيقول له : هذا لك ومثله معه . قال أبو هريرة : وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا . قال عطاء : وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئا من حديثه . انتهى . إلى قوله : هذا لك ومثله . قال أبو سعيد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هذا لك وعشرة أمثاله . قال أبو هريرة : حفظت مثله معه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " ثم يضرب جسر جهنم " وهو الصراط ، وإنما قال الصراط جسر جهنم لأنه ذكر في باب فضل السجود : ثم يضرب الصراط ، فجمع هنا في الترجمة بين اللفظين .

                                                                                                                                                                                  وأخرج هذا الحديث من طريقين : أحدهما عن أبي اليمان الحكم بن نافع ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي هريرة . والآخر : عن محمود بن غيلان ، عن عبد الرزاق بن همام ، عن معمر بفتح الميمين ابن راشد ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد ، عن أبي هريرة ، وليس في هذا الطريق ذكر سعيد ، وساق الحديث على هذا الطريق .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه أيضا في التوحيد عن عبد العزيز بن عبد الله ، وأخرجه مسلم في الإيمان عن زهير بن حرب ، وأخرجه النسائي في الصلاة عن محمد بن سليمان ، وفي التفسير عن عيسى بن حماد وغيره .

                                                                                                                                                                                  قوله : " يوم القيامة " أشار به إلى أن السؤال لم يقع عن الرؤية في الدنيا ، وقد أخرج مسلم من حديث أبي أمامة : واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ، وسبب هذا السؤال أنه لما ذكر الحشر والقول ليتبع كل أمة ما كانت تعبد وقول المسلمين : هذا مكاننا حتى نرى ربنا يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " هل تضارون " بضم أوله وبالضاد المعجمة وتشديد الراء المضمومة من الضر ، وأصله تضارون بصيغة المعلوم أي : هل تضرون أحدا ، ويجوز بصيغة المجهول أي : هل يضركم أحد بمنازعة ومضايقة ، وفيه وجه ثالث وهو : وهل تضارون بالتخفيف من الضير بمعنى الضر يقال : ضاره يضيره إذا ضره ، وأصله تضيرون بضم أوله وسكون الضاد وفتح الياء وضم الراء استثقلت الفتحة على الياء لسكون ما قبلها فألقيت حركتها على الضاد وقلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها ، وفيه وجه آخر وهو وهل تضامون بضم أوله وتشديد الميم ، وقال ابن الأثير : وفي حديث الرؤية لا تضامون يروى بالتشديد والتخفيف ، فالتشديد معناه لا ينضم بعضكم إلى بعض وتزدحمون وقت النظر إليه ، ويجوز ضم التاء وفتحها على تفاعلون وتتفاعلون ، ومعنى التخفيف لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض ، والضيم الظلم ، والحاصل أن المادة في هذه الأوجه أربع مواد : الضر والضير والضيم والضم ، فالمتأمل فيها يقف عليها ، ووقع في رواية للبخاري : لا تضامون أو تضاهون بالشك ، ومعناه لا يشتبه عليكم ولا ترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا ، وفي رواية شعيب تقدمت في باب فضل السجود : هل تمارون بضم أوله وتخفيف الراء أي : هل تجادلون في ذلك أو هل يدخلكم فيه شك من المرية وهي الشك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " في الشمس " ذكرها ثم ذكر القمر وخصهما بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية وأعظم خلقا من مجرد الشمس والقمر لما خصا به من عظم النور والضياء ، وحكى بعضهم عن بعض أن الابتداء بذكر القمر قبل الشمس متابعة للخليل عليه السلام ، واستدل به الخليل على إثبات الوحدانية ، واستدل به نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم على إثبات الرؤية . انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : الابتداء بذكر القمر في رواية مسلم ، وفي رواية البخاري ذكر الشمس مقدم على الأصل .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : لا بد من الجهة بين الرائي والمرئي .

                                                                                                                                                                                  قلت : قال الكرماني : لا يلزم منه المشابهة في الجهة والمقابلة وخروج الشعاع ونحوه لأنها أمور لازمة للرؤية عادة لا عقلا ، وقال ابن الأثير : قد يتخيل بعض الناس أن الكاف كاف تشبيه للمرئي وهو غلط وإنما هي كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي ، ومعناه أنها رؤية يزاح عنها الشك مثل رؤيتكم القمر ، وقيل : التشبيه برؤية القمر ليقين الرؤية دون تشبيه [ ص: 133 ] المرئي سبحانه وتعالى ، وقيل : التمثيل وقع في تحقيق الرؤية لا في الكيفية لأن الشمس والقمر متحيزان ، والحق سبحانه منزه عن ذلك ، وقال النووي : مذهب أهل السنة أن رؤية المؤمنين ربهم ممكنة ونفتها المبتدعة من المعتزلة والخوارج وهو جهل منهم ، فقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة على إثباتها في الآخرة للمؤمنين .

                                                                                                                                                                                  قلت : روي في إثبات الرؤية حديث الباب ، وعن نحو عشرين صحابيا منهم : علي وجرير وصهيب وأنس رضي الله تعالى عنهم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " كذلك " أي : واضحا جليا بلا مضارة ولا مزاحمة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " يجمع الله الناس " وفي رواية شعيب : يحشر الله الناس في مكان ، وزاد في رواية العلاء : في صعيد واحد ، ومثله في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ : يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر بالذال أي : يخرقهم بالخاء المعجمة والقاف حتى يجوزهم ، وقيل : بالدال المهملة أي : يستوعبهم ، وروى البيهقي في ( الشعب ) : إذا حشر الناس قاموا أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء لا يكلمهم . . الحديث ، وفي حديث أبي سعيد رواه أحمد بسند جيد أنه يخفف الوقوف على المؤمن حتى يكون كصلاة مكتوبة ، ولأبي يعلى من حديث أبي هريرة كتدلي الشمس للغروب إلى الغروب .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فيتبع من كان يعبد الشمس " التنصيص على ذكر الشمس والقمر مع دخولهما فيمن عبد من دون الله للتنويه بذكرهما لعظم خلقهما .

                                                                                                                                                                                  قوله : " الطواغيت " جمع طاغوت وهو الشيطان والصنم ، ويكون جمعا ومفردا ومذكرا ومؤنثا ، ويطلق أيضا على رؤساء الضلال ، وقال الجوهري : الطاغوت الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال ، وقد يكون واحدا قال تعالى : يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به

                                                                                                                                                                                  وقد يكون جمعا قال تعالى : أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم والطاغوت وإن جاء على وزن لاهوت فهو مقلوب لأنه من طغى ولاهوت غير مقلوب لأنه من لاه بمنزلة الرغبوت والرحموت . انتهى .

                                                                                                                                                                                  واعترض عليه بأنه ليس بجمع عند المحققين من أهل العربية لأنه مصدر كالرهبوت والرحموت ، وأصله طغيوت ، فقدمت الياء على الغين فصار طيغوت فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وإذا ثبت أنها في الأصل مصدر بمعنى الطغيان ثبت أنها اسم مفرد وإنما جاء الضمير العائد عليها جمعا في قوله تعالى : يخرجونهم لكونها جنسا معرفا بلام الجنس .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وتبقى هذه الأمة " قيل : يحتمل أن يكون المراد بالأمة أمة محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك فيدخل فيها جميع أهل التوحيد حتى الجن يدل عليه ما في بقية الحديث أنه يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر .

                                                                                                                                                                                  قلت : الإشارة بقوله : هذه الأمة ينافي تناوله لغير أمة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله يدل عليه ما في بقية الحديث ليس كذلك لأن هذا في حديث أبي سعيد الخدري في رواية مسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " منافقوها " ظن المنافقون أن تسترهم بالمؤمنين في الآخرة ينفعهم فاختلطوا بهم في ذلك اليوم حتى يضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب

                                                                                                                                                                                  قوله : " فيأتيهم الله " المراد من الإتيان التجلي وكشف الحجاب ، وقيل : الإتيان عبارة عن رؤيتهم إياه لأن العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالمجيء إليه فعبر عن الرؤية بالإتيان مجازا ، وقيل : الإتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمة الحدود ، وقيل : فيه حذف تقديره يأتيهم بعض ملائكة الله .

                                                                                                                                                                                  قوله : " في غير الصورة التي يعرفون " الصورة من المشابهات والأمة فيها فرقتان المفوضة والمؤولة ، فمن أوله قال : المراد من الصورة الصفة أو إخراج الكلام على سبيل المطابقة قوله : " يعرفون " فإن قلت : لم يتقدم لهم رؤية فكيف يعرفون ؟

                                                                                                                                                                                  قلت : إنما عرفوه في الدنيا بالصفة أي : بوصف الأنبياء لهم ، وقيل : يخلق الله فيهم علما ، وقيل : يصير جميع المعلومات ضروريا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " نعوذ بالله منك " قال الخطابي : يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين ، قال عياض : هذا لا يصح ولا يستقيم الكلام به ، وقال النووي : الذي قاله عياض صحيح ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه ، وقال ابن الجوزي : معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون : إذا جاء ربنا عرفناه أي : إذا أتانا بما نعرفه بالصورة وهي الصفة .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : ما الحكمة في إتيانه بغير الصورة التي كانوا يعرفونه ؟

                                                                                                                                                                                  قلت : للامتحان ، وقيل : يحتمل أن يأتيهم بصور مختلفة فيقول : أنا ربكم على وجه الامتحان .

                                                                                                                                                                                  قوله : [ ص: 134 ] " فيقولون : أنت ربنا " قيل : فيه إشعار بأنهم رأوه في أول ما حشروا ، والعلم عند الله عز وجل ، وقال الخطابي : هذه الرؤية غير الرؤية التي تقع في الجنة إكراما لهم ، فإن هذه للامتحان ، وتلك لزيادة الإكرام .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : الامتحان من التكليف ولا تكاليف يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                  قلت : آثار التكاليف لا تنقطع إلا بعد الاستقرار في الجنة أو في النار ، وقال الطيبي : لا يلزم من أن الدنيا دار بلاء والآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحد منهما ما يخص بالأخرى ، فإن القبر أول منازل الآخرة وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ويضرب جسر جهنم " هو جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف ، وفي مسلم قيل : يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة يكون يتخذ فيها شويكة يقال لها : السعدان .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من يجيز " من أجزت الوادي وجزته بمعنى مشيت عليه وقطعته ، وقيل : معناه لا يجوز أحد على الصراط حتى يجوز هو صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقال النووي : المعنى أكون أنا وأمتي أول من يمضي على الصراط .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وبه كلاليب " جمع كلوب كتنور والضمير في به يرجع إلى الجسر ، وفي رواية شعيب : وفي جهنم كلاليب ، وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا : وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به .

                                                                                                                                                                                  قوله : " مثل شوك السعدان " بلفظ التثنية وهو جمع سعدانة وهو نبت ذو شوك يضرب به المثل في طيب مرعاه ، قالوا : مرعى ولا كالسعدان .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أما رأيتم شوك السعدان ؟ " هو استفهام تقرير لاستحضار الصورة المذكورة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " غير أنها " أي : الشوكة ، وفي رواية الكشميهني : غير أنه والضمير للشأن .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لا يعلم قدر عظمها إلا الله " وفي رواية مسلم : لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله ، وقال ابن التين : قرأناه بضم العين وسكون الظاء ، وفي رواية أخرى بكسر العين وفتح الظاء وهو أشبه لأنه مصدر ، وقال الجوهري : عظم الشيء عظما أي : كبر فتقديره لا يعلم قدر كبرها إلا الله ، وعظم الشيء أكثره .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فتخطف " بفتح الطاء وكسرها ، وقال ثعلب في ( الفصيح ) : خطف بالكسر في الماضي وبالفتح في المضارع ، وحكى الفراء عكسه والكسر في المضارع أفصح .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بأعمالهم " يتعلق بقوله " تخطف " والباء فيه للسببية نحو إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل و فكلا أخذنا بذنبه

                                                                                                                                                                                  قوله : " فمنهم الموبق " هذا تفسير لما قبله من قوله : " بأعمالهم " أي : فمن الناس الموبق بضم الميم وفتح الباء الموحدة أي : المهلك بسبب عمله السيئ يقال : وبق يبق ووبق يوبق فهو وبق وأوبقه غيره فهو موبق ، ورواية شعيب : فمنهم من يوبق أي : يهلك ، وفي رواية لمسلم : فمنهم الموثق بالثاء المثلثة المفتوحة من الوثاق ، وفي رواية الأصيلي : ومنهم المؤمن بكسر الميم بعدها نون يقي بعمله بفتح الياء آخر الحروف وكسر القاف من الوقاية أي : يستره عمله .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ومنهم المخردل " بالخاء المعجمة قال الكرماني : المخردل المصروع وما قطع أعضاؤه أي : جعل كل قطعة منه بمقدار خردلة ، وقال ابن الأثير : المخردل المرمي المصروع ، وقيل : المقطع تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار ، يقال : خردلت اللحم بالدال والذال أي : فصلت أعضاءه وقطعته ، وفي رواية شعيب : ومنهم من يخردل على صيغة المجهول ، ووقع في رواية الأصيلي هنا بالجيم من الجردلة وهي الإشراف على السقوط ، وكذا وقع لأبي أحمد الجرجاني ، وفي رواية شعيب ووهاه عياض والدال مهملة للجميع ، وحكى أبو عبيد فيه إعجام الدال ، ورجح صاحب ( المطالع ) الخاء المعجمة والدال المهملة ، وفي رواية مسلم : ومنهم المجازى حتى ينجى .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ثم ينجو " من النجاة ، وفي رواية إبراهيم بن سعد ثم ينجلي بالجيم أي : يبين ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة أي : يخلى عنه وهو الأشبه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حتى إذا فرغ الله " الفراغ الخلاص من المهام وهو محال على الله تعالى ، والمراد إتمام الحكم بين العباد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أن يخرج " بضم الياء من الإخراج .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من أراد " مفعول أن يخرج .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أمر الملائكة أن يخرجوهم " أي : أن يخرجوا من كان يشهد أن لا إله إلا الله .

                                                                                                                                                                                  وفي حديث أبي سعيد حتى إذا فرغ من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول : لا إله إلا الله .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بعلامة آثار السجود " أثر السجود هو الجبهة ، ويحتمل أن يراد الأعظم السبعة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وحرم الله على النار " هو جواب عن سؤال مقدر تقديره كيف يعرفونهم بأثر السجود مع قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم : فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة ، حاصل المعنى أن الله عز وجل يخصص أعضاء السجود من عموم الأعضاء التي دل عليها هذا الخبر وأن الله منع النار أن تحرق أثر السجود من المؤمن .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قد امتحشوا " على صيغة المجهول من الامتحاش بالحاء المهملة [ ص: 135 ] والشين المعجمة وهو الاحتراق ويروى بصيغة المعلوم وهو الأصح .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ماء الحياة " وفي حديث أبي سعيد " فيلقون في نهر الحياة أو الحيا " وفي رواية أخرى " فيلقون في نهر بأفواه الجنة ، يقال له : ماء الحياة " والأفواه جمع فوهة على غير قياس .

                                                                                                                                                                                  قوله : " الحبة " بكسر الحاء بزر الرياحين ، وقيل : بزور الصحراء .

                                                                                                                                                                                  قوله : " في حميل السيل " أي : في محموله أي : في الذي يحمله السيل من الغثاء ، وقد مر الكلام فيه في باب صفة الجنة والنار .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ويبقى رجل منهم " في رواية الكشميهني " وكان هذا الرجل نباشا من بني إسرائيل " .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فيقول : يا رب " في رواية إبراهيم بن سعد " أي رب " على ما يجيء في التوحيد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قد قشبني " بقاف وشين معجمة مفتوحتين مخففا وروي التشديد ، وقال الخطابي : قشب الدخان إذا ملأ خياشيمه وأخذ يكظمه ، وقال الكرماني : القشب الإصابة بكل ما يكره ويستقذر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ذكاؤها " كذا هو بالمد في رواية الأصيلي وكريمة ، وفي رواية أبي ذر وغيره " ذكاها " بالقصر وهو الأشهر في اللغة ، وقال ابن القطاع : يقال : ذكت النار تذكو ذكا بالقصر وذكوا بالضم وتشديد الواو أي : كثر لهبها واشتد اشتعالها ووهجها .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فاصرف وجهي عن النار " قيل : كيف يقول هذا القول والحال أنه يمر على الصراط طالبا الجنة ؟ فوجهه إلى الجنة ، وأجيب بأنه قيل : إنه كان يتقلب على الصراط ظهرا لبطن ، فكأنه في تلك الحالة انتهى إلى آخره ، فصادف أن وجهه كان من قبل النار ولم يقدر على صرفه عنها باختياره فسأل الله تعالى في ذلك .

                                                                                                                                                                                  قلت : الأحسن أن يقال : إنه من قبيل قوله تعالى : اهدنا الصراط المستقيم أي : ثبت صرف وجهي عن النار لأنه لما توجه إلى الجنة سأل الله تعالى أن يديم عليه صرف وجهه عن النار لما كان يقاسي منها .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فيصرف وجهه عن النار " على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ما أغدرك " فعل التعجب من الغدر وهو نقض العهد وترك الوفاء .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فإذا رأى ما فيها " فإن قلت : كيف رأى ما في الجنة والحال أنه لم يدخلها وقتئذ ؟

                                                                                                                                                                                  قلت : لأن جدار الجنة شفاف ، فيرى باطنها من ظاهرها كما جاء في وصف الغرف ، وقيل : المراد من الرؤية العلم الذي يحصل له من سطوع رائحتها الطيبة وأنوارها المضيئة كما كان يحصل له من سطوع رائحة النار ونفحها وهو خارجها .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لا تجعلني أشقى خلقك " المراد بالخلق هنا من دخل الجنة قيل : ليس هو أشقى الخلق لأنه مؤمن خارج من النار وأجيب بأن الأشقى بمعنى الشقي أو يخصص الخلق بالخارجين منها .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حتى يضحك " قيل : الضحك لا يصح على الله ، وأجيب بأنه مجاز عن الرضا به .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من كذا " أي : من الجنس الفلاني .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال أبو هريرة " هو موصول بالسند المذكور .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وذلك الرجل " قيل : اسمه هناد بالنون والمهملة ، وقيل : جهينة ، وقد وقع في ( غرائب مالك ) للدارقطني من طريق عبد الملك بن الحكم وهو رواه عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه " إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له : جهينة ، فيقول أهل الجنة : عند جهينة الخبر اليقين ، وقيل : وجه الجمع بين الروايتين أنه يجوز أن يكون أحد الاسمين لأحد المذكورين والآخر للآخر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " الأماني " جمع أمنية .

                                                                                                                                                                                  قوله : " هذا لك ومثله معه " هذا إشارة إلى متمناه الذي وقف عليه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال : وأبو سعيد الخدري جالس " القائل هو عطاء بن يزيد بينه إبراهيم بن سعد في روايته عن الزهري قال : قال عطاء بن يزيد وأبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " هذا لك وعشرة أمثاله " وجه الجمع بين الروايتين أنه يحتمل أن يكون قد أخبر بالمثل أو لا ، ثم أطلعه الله تعالى بتفضله بالعشرة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية