الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) العدة ( في ) حق ( من لم تحض ) حرة أم أم ولد ( لصغر ) بأن لم تبلغ تسعا ( أو كبر ) . [ ص: 508 ] بأن بلغت سن الإياس ( أو بلغت بالسن ) وخرج بقوله ( ولم تحض ) الشابة الممتدة بالطهر بأن حاضت ثم امتد طهرها ، فتعتد بالحيض إلى أن تبلغ سن الإياس جوهرة وغيرها ، وما في شرح الوهبانية من انقضائها بتسعة أشهر غريب مخالف لجميع الروايات فلا يفتى به .

كيف وفي نكاح الخلاصة : لو قيل لحنفي ما مذهب الإمام الشافعي في كذا وجب أن يقول قال أبو حنيفة كذا ، نعم لو قضى مالكي بذلك نفذ كما في البحر والنهر ، وقد نظمه شيخنا الخير الرملي سالما من النقد فقال : لممتدة طهرا بتسعة أشهر وفا عدة إن مالكي يقدر . [ ص: 509 ]     ومن بعده لا وجه للنقض هكذا
يقال بلا نقد عليه ينظر

وأما ممتدة الحيض فالمفتى به كما في حيض الفتح تقدير طهرها بشهرين ، فستة أشهر للإطهار وثلاث حيض بشهر احتياطا ( ثلاثة أشهر ) بالأهلة لو في الغرة وإلا فبالأيام بحر وغيره ( إن وطئت ) في الكل ولو حكما كالخلوة ولو فاسدة كما مر ، ولو رضيعا تجب العدة لا المهر قنية .

التالي السابق


( قوله : والعدة في حق من لم تحض ) شروع في النوع الثاني من أنواع العدة وهو العدة بالأشهر وهو معطوف على قوله وهي في حق حرة تحيض ( قوله : حرة أم أم ولد ) أي لا فرق بينهما فيما سيأتي من أن عدة كل منهما ثلاثة أشهر ، وهذا في أم الولد إذا مات مولاها ، أو أعتقها ، أما إذا كانت منكوحة فعدتها نصف ما للحرة في الموت أو الطلاق ، سواء كانت ممن تحيض ، أو لا كما يعلم مما سيأتي . ثم إن أم الولد لا تكون إلا كبيرة ، فقوله " لصغر " خاص بالحرة ، وقوله : أو كبر شامل لهما كما لا يخفى فافهم ( قوله : بأن لم تبلغ تسعا ) وقيل سبعا بتقديم السين على الباء الموحدة .

مطلب في عدة الصغيرة المراهقة

وفي الفتح : والأول أصح ، وهذا بيان أقل سن يمكن فيه بلوغ الأنثى ، وتقييده بذلك تبعا للفتح والبحر والنهر لا يعلم منه حكم من زاد سنها على ذلك ولم تبلغ بالسن وتسمى المراهقة ، وقد ذكر في الفتح أن عدتها أيضا ثلاثة أشهر ، فلو أطلق الصغيرة وفسرها بمن لم تبلغ بالسن لشمل المراهقة ومن دونها ، وهي من لم تبلغ تسعا .

وقد يقال : مراده إخراج المراهقة اختيارا لما ذكره في البحر بقوله وعن الإمام الفضلي أنها إذا كانت مراهقة لا تنقضي عدتها بالأشهر بل يوقف حالها حتى يظهر هل حبلت من ذلك الوطء أم لا ، فإن ظهر حبلها اعتدت بالوضع وإلا فبالأشهر . قال في الفتح : ويعتد بزمن التوقف من عدتها لأنه كان ليظهر حالها فإذا لم يظهر كان من عدتها . ا هـ .

قلت : يعني إذا ظهر عدم حبلها يحكم بمضي العدة بثلاثة أشهر مضت ويكون زمن التوقف بعدها لغوا حتى لو تزوجت فيه صح عقدها .

وفي نفقات الفتح فرع : في الخلاصة عدة الصغيرة ثلاثة أشهر إلا إذا كانت مراهقة فينفق عليها ما لم يظهر فراغ رحمها ، كذا في المحيط ا هـ من غير ذكر خلاف وهو حسن ا هـ كلام الفتح ; لكن ينبغي الإفتاء به احتياطا قبل العقد بأن لا يعقد عليها إلا بعد التوقف ، لكن لم يذكروا مدة التوقف التي يظهر بها الحمل . وذكر في الحامدية عن بيوع البزازية أنه يصدق في دعوى الحبل في رواية إذا كان من حين شرائها أربعة أشهر وعشر لا أقل ، وفي رواية بعد شهرين وخمسة أيام وعليه عمل الناس ا هـ ومشى في الحامدية على الأخيرة ، وفيه نظر لأن المراد في مسألتنا التوقف بعد مضي ثلاثة أشهر ، فالأولى الأخذ بالرواية الأولى ، فإذا مضت أربعة أشهر وعشر ولم يظهر الحبل [ ص: 508 ] علم أن العدة انقضت من حين مضي ثلاثة أشهر ( قوله : بأن بلغت سن الإياس ) سيأتي تقديره في المتن ويأتي تمام الكلام عليها ( قوله : أو بلغت بالسن ) أي خمس عشرة سنة ط عن العناية ، ومثلها لو بلغت بالإنزال قبل هذه المدة ، وقوله : ولم تحض شامل لما إذا لم تر دما أصلا ، أو رأت وانقطع قبل التمام . قال في البحر عن التتارخانية بلغت فرأت يوما دما ثم انقطع حتى مضت سنة ثم طلقها فعدتها بالأشهر . ا هـ . وسيذكر الشارح عن البحر أنها إذا بلغت ثلاثين سنة ولم تحض حكم بإياسها ويأتي بيانه ( قوله : بأن حاضت ) أي ثلاثة أيام مثلا ( قوله : ثم امتد طهرها ) أي سنة ، أو أكثر بحر ( قوله : من انقضائها بتسعة أشهر ) سنة منها مدة الإياس وثلاثة منها للعدة . ورأيت بخط شيخ مشايخنا السائحاني أن المعتمد عند المالكية أنه لا بد لوفاء العدة من سنة كاملة تسعة أشهر لمدة الإياس وثلاثة أشهر لانقضاء العدة . قلت : ولذا عبر في المجمع بالحول . مطلب في الإفتاء بالضعيف :

( قوله : فلا يفتى به ) اعترض بأنه قول مالك ، والتقليد جائز بشرط عدم التلفيق كما ذكره الشيخ حسن الشرنبلالي في رسالة بل ومع التلفيق كما ذكره المنلا ابن فروخ في رسالة .

قلت : ما ذكره ابن فروخ رده سيدي عبد الغني في رسالة خاصة ، والتقليد وإن جاز بشرطه فهو للعامل لنفسه لا للمفتي لغيره ، فلا يفتي بغير الراجح في مذهبه ، لما قدمه الشارح في رسم المفتي بقوله : وحاصل ما ذكره الشيخ قاسم في تصحيحه أنه لا فرق بين المفتي والقاضي إلا أن المفتي مخبر عن الحكم ، والقاضي ملزم به ، وأن الحكم والفتيا بالقول المرجوح جهل وخرق للإجماع ، وأن الحكم الملفق باطل بالإجماع وأن الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقا إلخ وقدمنا الكلام عليه هناك فافهم ( قوله : وجب أن يقول إلخ ) هذا مبني على قول بعض الأصوليين لا يجوز تقليد المفضول مع وجود الفاضل ، وبني على ذلك وجوب اعتقاد أن مذهبه صواب يحتمل الخطأ ، وأن مذهب غيره خطأ يحتمل الصواب ; فإذا سئل عن حكم لا يجيب إلا بما هو صواب عنده ، فلا يجوز أن يجيب بمذهب الغير وقدمنا في ديباجة الكتاب تمام الكلام على ذلك ( قوله : نعم لو قضى مالكي بذلك نفذ ) لأنه مجتهد فيه ، وهذا كله رد على ما في البزازية . قال العلامة : والفتوى في زماننا على قول مالك وعلى ما في جامع الفصولين : لو قضى قاض بانقضاء عدتها بعد مضي تسعة أشهر نفذ ا هـ لأن المعتمد أن القاضي لا يصح قضاؤه بغير مذهبه خصوصا قضاة زماننا ( قوله : لممتدة ) بالتنوين ونصب " طهرا " على التمييز ط ( قوله : وفا عدة ) بقصر " وفا " للضرورة وهو مبتدأ خبره قوله : بتسعة أشهر ، والجملة دليل جواب الشرط الذي هو إن مالكي يقدر يعني إن حكم القاضي المالكي بتقدير التسعة أشهر لممتدة الطهر كان هذا المقدار عدتها ومن بعده : أي من بعد قضاء القاضي المالكي بهذا المقدار لا وجه لنقض القاضي الحنفي حكمه لأنه فصل مجتهد فيه ، فقضاؤه رفع الخلاف . ا هـ . ح . وفي بعض النسخ : إن مالكي [ ص: 509 ] يقرر بالراء ، لكن قد علمت أن المعتمد عند المالكية تقدير المدة بحول ، ونقله أيضا في البحر عن المجمع معزيا لمالك ( قوله : هكذا يقال ) يعني ينبغي أن يقال مثل هذا القول الخالي من نقد واعتراض ينظر به عليه لا كما قال بعضهم من أنه يفتى به للضرورة . ا هـ . ح .

قلت : لكن هذا ظاهر إذا أمكن قضاء مالكي به ، أو تحكيمه ، أما في بلاد لا يوجد فيها مالكي يحكم به فالضرورة متحققة ، وكأن هذا وجه ما مر عن البزازية والفصولين ، فلا يرد قوله : في النهر إنه لا داعي إلى الإفتاء بقول نعتقد أنه خطأ يحتمل الصواب مع إمكان الترافع إلى مالكي يحكم به ا هـ تأمل ، ولهذا قال الزاهدي : وقد كان بعض أصحابنا يفتون بقول مالك في هذه المسألة للضرورة . ا هـ .

ثم رأيت ما بحثته بعينه ذكره محشي مسكين عن السيد الحموي وسيأتي نظير هذه المسألة في زوجة المفقود حيث قيل إنه يفتى بقول مالك إنها تعتد عدة الوفاة بعد مضي أربع سنين ( قوله : وأما ممتدة الحيض ) الأولى : أن يقول ممتدة الدم ، أو المستحاضة ، والمراد بها المتحيرة التي نسيت عادتها ، وأما إذا استمر بها الدم وكانت تعلم عادتها فإنها ترد إلى عادتها كما في البحر ( قوله : فالمفتى به إلخ ) حاصله أنها تنقضي عدتها بسبعة أشهر ، وقيل بثلاثة ( قوله : وإلا فبالأيام ) في المحيط : إذا اتفق عدة الطلاق والموت في غرة الشهر اعتبرت الشهور بالأهلية وإن نقصت عن العدد ، وإن اتفق في وسط الشهر . فعند الإمام يعتبر بالأيام فتعتد في الطلاق بتسعين يوما ، وفي الوفاة بمائة وثلاثين . وعندهما يكمل الأول من الأخير وما بينهما بالأهلة ، ومدة الإيلاء واليمين - أن لا يكلم فلانا أربعة أشهر - ، والإجارة - سنة في وسط الشهر - وسن الرجل - إذا ولد في أثنائه - ، وصوم الكفارة إذا شرع فيه وسط على هذا الخلاف ا هـ وقدمنا عن المجتبى تأجيل العنين إذا كان في أثناء الشهر فإنه يعتبر بالأيام إجماعا بحر .

ثم قال : وفي الصغرى أن اعتبار العدة بالأيام إجماعا إنما الخلاف في الإجارة . واستشكله القهستاني بأن الأول هو المذكور في المحيط والخانية والمبسوط وغيرها ( قوله : في الكل ) يعني أن التقييد بالوطء شرط في جميع ما مر من مسائل العدة بالحيض والعدة بالأشهر كما أفاده سابقا بقوله راجع للجميع ( قوله : ولو فاسدة ) أطلقها فشمل ما إذا كان فسادها المانع حسيا ، أو شرعيا ، وهذا هو الحق كما بيناه عند قوله " صحيحة " . ا هـ . ح ( قوله : كما مر ) أي في باب المهر لا في هذا الباب ، فإن الذي قدمه فيه التقييد بالصحيحة ط .

مطلب في عدة زوجة صغيرة .

( قوله : ولو رضيعا إلخ ) فيه مسامحة لأن الكلام فيمن وطئت ، والرضيع لا يتأتى منه وطء زوجته ، فكان الأولى أن يقول : ولو غير مراهق . وعبارة القنية تجب العدة بدخول زوجها الصبي المراهق . وفي آحاد الجرجاني في قول أبي حنيفة وأبي يوسف إن المهر والعدة واجبان بوطء الصبي . وفي قول محمد تجب العدة دون المهر ، ثم قال : ولا خلاف بينهم لأنهما أجابا في مراهق يتصور منه الإعلاق : أي أن تعلق منه أي تحبل ومحمد أجاب فيمن لا يتصور منه لأن ذكره في حكم أصبعه . ا هـ . وذكر في البحر قبل ذلك أنهم صرحوا بفساد خلوته ، وبوجوب [ ص: 510 ] العدة بالخلوة الفاسدة الشاملة لخلوة الصبي ، وبوجوب العدة إذا وطئها بنكاح فاسد فكذا الصحيح بالأولى ، ثم قال : فحاصله أنه كالبالغ في الصحيح والفاسد ، وفي الوطء بشبهة في الوفاة والطلاق والتفريق ووضع الحمل كما لا يخفى فليحفظ ا هـ ومسألة عدة زوجته بوضع الحمل تأتي قريبا .

وصورة الطلاق الموجب لعدتها بعد الدخول أن يكون ذميا فتسلم زوجته ويأبى وليه عن الإسلام أو أن يختلي بها في صغره ويطلقها في كبره وصورة التفريق أن يدخل بها بعقد فاسد .




الخدمات العلمية