الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 516 ] ( وعدة المنكوحة نكاحا فاسدا ) فلا عدة في باطل وكذا موقوف قبل الإجازة اختيار ، لكن الصواب ثبوت العدة والنسب بحر [ ص: 517 ] ( والموطوءة بشبهة ) ومنه تزوج امرأة الغير غير عالم بحالها كما سيجيء ، وللموطوءة بشبهة أن تقيم مع زوجها الأول وتخرج بإذنه في العدة لقيام النكاح بينهما ، إنما حرم الوطء حتى تلزمه نفقتها وكسوتها بحر ، يعني إذا لم تكن عالمة راضية [ ص: 518 ] كما سيجيء .

التالي السابق


مطلب عدة المنكوحة فاسدا والموطوءة بشبهة

( قوله : وعدة المنكوحة إلخ ) مبتدأ خبره قوله : الآتي الحيض ، وهذه الجملة بتمامها مستغنى عنها بقوله سابقا كذا أم ولد مات عنها مولاها ، أو أعتقها وموطوءة بشبهة أو نكاح فاسد في الموت والفرقة ط . على أن كلامه هنا يوهم وجوب العدة في النكاح الفاسد ولو قبل الوطء وليس كذلك ، فإنها لا تجب فيه بالخلوة بل بالوطء في القبل كما مر في باب المهر ( قوله : نكاحا فاسدا ) هي المنكوحة بغير شهود ، ونكاح امرأة الغير بلا علم بأنها متزوجة ، ونكاح المحارم مع العلم بعدم الحل فاسد عنده خلافا لهما فتح . مطلب في النكاح الفاسد والباطل .

( قوله : فلا عدة في باطل ) فيه أنه لا فرق بين الفاسد والباطل في النكاح ، بخلاف البيع كما في نكاح الفتح والمنظومة المحبية ، لكن في البحر عن المجتبى : كل نكاح اختلف العلماء في جوازه كالنكاح بلا شهود فالدخول فيه موجب للعدة ، أما نكاح منكوحة الغير ومعتدته فالدخول فيه لا يوجب العدة إن علم أنها للغير لأنه لم يقل أحد بجوازه فلم ينعقد أصلا ، فعلى هذا يفرق بين فاسده وباطله في العدة ، ولهذا يجب الحد مع العلم بالحرمة لكونها زنا كما في القنية وغيرها . ا هـ .

قلت : ويشكل عليه أن نكاح المحارم مع العلم بعدم الحل فاسد كما علمت مع أنه لم يقل أحد من المسلمين بجوازه وتقدم في باب المهر أن الدخول في النكاح الفاسد موجب للعدة وثبوت النسب ، ومثل له في البحر هناك بالتزوج بلا شهود وتزوج الأختين معا ، أو الأخت في عدة الأخت ، ونكاح المعتدة والخامسة في عدة الرابعة والأمة على الحرة . ا هـ . ( قوله : اختيار ) ومثله في المحيط معللا بأن النسب لا يثبت فيه لأنه موقوف فلم ينعقد في حق حكمه فلا يؤثر شبهة الملك . ا هـ . ( قوله : لكن الصواب إلخ ) فقد نقل الزيلعي في النكاح الفاسد ما نصه : وذكر في كتاب الدعوى من الأصل : إذا تزوجت المرأة بغير إذن مولاها ودخل بها الزوج وولدت لستة أشهر منذ تزوجها فادعاه المولى والزوج فهو ابن الزوج ، فقد اعتبره من وقت النكاح لا من وقت الدخول ، ولم يحك [ ص: 517 ] خلافا . قال الحلواني : هذه المسألة دليل على أن الفراش ينعقد بنفس العقد في النكاح الفاسد ، خلافا لما يقوله البعض أنه لا ينعقد إلا بالدخول ا هـ فهذا صريح في ثبوت النسب فيه ، ويتبعه وجوب العدة ، فكان ما في المحيط والاختيار سهوا ، بحر .

قلت : لكن يشكل على هذا تصريحهم بأن النكاح الفاسد إنما يجب فيه مهر المثل ، والعدة بالوطء لا بمجرد العقد ولا بالخلوة لفسادها لعدم التمكن فيها من الوطء كالخلوة بالحائض ، فلا تقام مقام الوطء كما صرح بذلك في الفتح والبحر وغيرهما في باب المهر ، إلا أن يقال إن انعقاد الفراش بنفس العقد إنما هو بالنسبة إلى النسب لأنه يحتاط في إثباته إحياء للولد .

ثم اعلم أنه ذكر في البحر هناك أنه تعتبر مدة النسب ، وهي ستة أشهر من وقت الدخول عند محمد وعليه الفتوى لأن النكاح الفاسد ليس بداع إليه والإقامة باعتباره ، كذا في الهداية أي إقامة العقد مقام الوطء باعتبار كون العقد داعيا إلى الوطء . وعندهما ابتداء المدة من وقت العقد قياسا على الصحيح ، والمشايخ أفتوا بقول محمد لعدم صحة القياس المذكور . وفائدة الخلاف فيما إذا أتت بولد لستة أشهر من وقت العقد ولأقل منها من وقت الدخول فإنه لا يثبت نسبه على المفتى به . ا هـ .

إذا علمت ذلك فيمكن أن يحمل ما في الاختيار والمحيط على قول محمد ، وأن المراد من عدم ثبوت النسب إذا أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت الدخول وإن كان لأكثر منها من وقت العقد ، ويحمل ما تقدم عن الزيلعي على قولهما بدليل أنه فرض المسألة فيما إذا ولدت لستة أشهر مذ تزوجها ولم يعتبر وقت الدخول بقرينة تمام الكلام ولا يخفى أن التوفيق أولى من الخطأ وشق العصا ( قوله : والموطوءة بشبهة ) كالتي زفت إلى غير زوجها والموجودة ليلا على فراشه إذا ادعى الاشتباه كذا في الفتح . وأفاد في النهر بحثا أن من ذلك ما وقع الاستفتاء عنه فيمن اشترى أمة فوطئها ثم أثبتت أنها حرة الأصل ا هـ وهو ظاهر . ومن ذلك ما لو وطئ معتدته بشبهة وستأتي ، ومنه ما في كتب الشافعية إذا أدخلت منيا فرجها ظنته مني زوج ، أو سيد عليها العدة كالموطوءة بشبهة . قال في البحر : ولم أره لأصحابنا ، والقواعد لا تأباه لأن وجوبها لتعرف براءة الرحم ( قوله : ومنه ) أي من قسم الوطء بشبهة . قال في النهر : وأدخل في شرح السمرقندي منكوحة الغير تحت الموطوءة بشبهة . حيث قال : أي بشبهة الملك ، أو العقد ، بأن زفت إليه غير امرأته فوطئها ، أو تزوج منكوحة الغير ولم يعلم بحالها . وأنت خبير بأن هذا يقتضي الاستغناء عن المنكوحة فاسدا إذ لا شك أنها موطوءة بشبهة العقد أيضا بل هي أولى بذلك من منكوحة الغير إذ اشتراط الشهادة في النكاح مختلف فيه بين العلماء بخلاف الفراغ عن نكاح الغير . ا هـ .

إذا علمت ذلك ظهر لك أن الشارح متابع لما في شرح السمرقندي لا مخالف له ، إذ لو قصد مخالفته كان عليه أن يذكر قوله ومنه إلخ عقب قوله " المنكوحة نكاحا فاسدا " لا بعد قوله " والموطوءة بشبهة " فافهم . ويمكن الجواب عن السمرقندي بأنه حمل المنكوحة نكاحا فاسدا على ما سقط منه شرط الصحة بعد وجود المحلية كالنكاح المؤقت ، أو بغير شهود ، أما منكوحة الغير فهي غير محل إذ لا يمكن اجتماع ملكين في آن واحد على شيء واحد ، فالعقد لم يؤثر ملكا فاسدا وإنما أثر في وجود الشبهة والشارح كثير المتابعة للنهر ، فلعله خالفه هنا إشارة إلى ما قلنا ( قوله : كما سيجيء ) أي في المتن آخر الباب ( قوله : يعني إذا لم تكن عالمة راضية ) هذا مذكور أيضا في البحر ، واستشهد له .

[ ص: 518 ] بما في الخانية من أن المنكوحة إذا تزوجت رجلا ودخل بها ثم فرق بينهما لا يجب على الزوج الأول نفقتها ما دامت في العدة لأنها لما وجبت عليها العدة صارت ناشزة . ا هـ . ( قوله : كما سيجيء ) أي قبيل الفروع .




الخدمات العلمية