الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 78 ] [ تعريف الصحابي لغة واصطلاحا ] إذا علم هذا ، ففي هذا الباب عشرة مسائل :

الأولى : في تعريف الصحابي . وفيه لأبي عبد الله بن رشيد : ( إيضاح المذاهب فيمن يطلق عليه اسم الصاحب ) . وهو لغة : يقع على من صحب أقل ما يطلق عليه اسم صحبة ، فضلا عمن طالت صحبته ، وكثرت مجالسته . وفي الاصطلاح : ( رائي النبي ) - صلى الله عليه وسلم - ، اسم فاعل من رأى ، حال كونه ( مسلما ) عاقلا ( ذو صحبة ) على الأصح ، كما ذهب إليه الجمهور من المحدثين والأصوليين وغيرهم ، اكتفاء بمجرد الرؤية ولو لحظة ، وإن لم يقع معها مجالسة ولا مماشاة ولا مكالمة ; لشرف منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإنه كما صرح به بعضهم إذا رآه مسلم أو رأى مسلما لحظة طبع قلبه على الاستقامة ; لأنه بإسلامه متهيئ للقبول ، فإذا قابل ذلك النور العظيم أشرف عليه ، فظهر أثره على قلبه وعلى جوارحه .

وممن نص على الاكتفاء بها أحمد ; فإنه قال : من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة ، أو رآه فهو من أصحابه . وكذا قال ابن المديني : من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه ولو ساعة من نهار ، فهو من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وتبعهما تلميذهما البخاري فقال : من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه . قيل : ويرد على ذلك توقف معرفة الشيء على نفسه فيدور ; لأن ( صحب ) يتوقف على الصحابي ، والعكس . لكن يمكن أن يقال : مرادهم بصحب : الصحبة اللغوية ، وبالصحابي : المعنى الاصطلاحي . على أن القاضي أبا بكر بن الطيب الباقلاني قال : لا خلاف بين أهل اللغة أن الصحابي مشتق من الصحبة جار على كل من صحب غيره قليلا أو كثيرا ، يقال : صحبه شهرا أو يوما أو ساعة . قال : وهذا يوجب في حكم اللغة إجراء هذا على من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو ساعة ، هذا هو الأصل . قال : ومع هذا فقد [ ص: 79 ] تقرر للأمة عرف في أنهم لا يستعملونه إلا فيمن كثرت صحبته ، وذكر المذهب الثاني .

وكذا قال صاحبه الخطيب أيضا : لا خلاف بين أهل اللغة أن الصحبة التي اشتق منها الصحابي لا تحد بزمن ، بل يقول : صحبته سنة ، وصحبته ساعة . ولذا قال النووي في مقدمة ( شرح مسلم ) عقب كلام القاضي أبي بكر : وبه يستدل على ترجيح مذهب المحدثين ; فإن هذا الإمام قد نقل عن أهل اللغة أن الاسم يتناول صحبة ساعة أو أكثر ، وأهل الحديث قد نقلوا الاستعمال في الشرع والعرف على وفق اللغة ، فوجب المصير إليه . قلت : إلا أن الإسلام لا يشترط في اللغة ، والكفار لا يدخلون في اسم الصحبة بالاتفاق ، وإن رأوه - صلى الله عليه وسلم - . وقال ابن الجوزي : الصحبة تطلق ويراد مطلقها ، وهو المراد في التعريف ، وتأكيدها بحيث يشتهر به ، وهي المشتملة على المخالطة والمعاشرة ، فإذا قلت : فلان صاحب فلان ، لم ينصرف - يعني : عرفا - إلا للمؤكدة ; كخادم فلان . وقال الآمدي : الأشبه أن الصحابي من رآه . وحكاه عن أحمد وأكثر أصحابنا . واختاره ابن الحاجب أيضا ; لأن الصحبة تعم القليل والكثير ، فلو حلف أن لا يصحبه حنث بلحظة .

التالي السابق


الخدمات العلمية