الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6401 12 - حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثني أبي ، حدثنا الأعمش ، قال : سمعت أبا صالح ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله السارق يسرق البيضة ، فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده ، قال الأعمش : كانوا يرون أنه بيض الحديد والحبل كانوا يرون أنه منها ما يساوي دراهم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وأخرج الحديث عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي قاضيها عن سليمان الأعمش ، عن أبي صالح ذكوان الزيات ، عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الحدود أيضا ، عن أبي بكر وأبي كريب ، وأخرجه النسائي في القطع عن عبد الله بن محمد المخزومي ، وأحمد بن حرب ، وأخرجه ابن ماجه في الحدود عن أبي بكر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال الأعمش " موصول بالإسناد المذكور قوله : " كانوا يرون " بفتح الراء من الرأي ، يريد به أن الذين رووا هذا الحديث كانوا يقولون : إن المراد بالبيضة بيض الحديد ، وهو البيضة التي تكون على رأس المقاتل ، وبالحبل ما يساوي منها دراهم ، وقال الكرماني : يراد به ثلاثة دراهم .

                                                                                                                                                                                  قلت : نظر في ذلك إلى أن أقل الجمع ثلاثة ، وأنه أيضا أشار به إلى مذهبه ، فإن عنده يقطع يد السارق في ربع دينار ، وهو ثلاثة دراهم ، ثم قال : وغرضه أنه لا قطع في الشيء القليل ، بل ما له نصاب كربع الدينار ، وعندنا لا قطع في أقل من عشرة دراهم على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى ، وفي التوضيح وقول الأعمش : البيضة هنا بيضة الحديد التي تغفر الرأس في الحرب ، والحبل من حبال السفن تأويل لا يجوز عند من يعرف صحيح كلام العرب ; لأن كل واحد من هذين بدنانير كثيرة ، وفي الدارقطني من حديث أبي خباب الدلال ، حدثنا مختار بن نافع ، حدثنا أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قطع في بيضة من حديد ، قيمتها إحدى وعشرون درهما ، وليس من عادة العرب والعجم أن يقولوا : قبح الله فلانا عرض نفسه للضرب في عقد جوهر ، وتعرض للعقوبة بالغلول في جراب مسك ، وإنما العادة في مثل هذا أن يقال : لعنه الله تعرض لقطع اليد في حبل رث ، أو كبة شعر ، أو رداء خلق ، وكلما كان من هذا الفن أحقر فهو أبلغ ، وقال الخطابي : إن ذلك من باب التدريج ; لأنه إذا استمر ذلك به لم يأمن أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقها ، حتى يبلغ فيه القطع ، فتقطع يده ، فليحذر هذا الفعل وليتركه قبل أن تملكه العادة ويموت عليها ، ليسلم من سوء عاقبته ، وقال الداودي ما قاله الأعمش محتمل ، وقد يحتمل أن يكون هذا قبل أن يبين الشارع القدر الذي يقطع فيه السارق ، وقيل : هذا محمول على المبالغة في التنبيه على عظم ما خسر وحقر ما حصل ، وقال القرطبي : ونظير حمله على المبالغة ما حمل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة " ، فإن أحدا لم يقل فيه إنه أراد المبالغة في ذلك ، وإلا فمن المعلوم أن مفحص القطاة ، وهو قدر ما تحصن به بيضها لا يتصور أن يكون مسجدا ، ومنه : تصدقن ولو [ ص: 273 ] بظلف محرق ، وهو مما لا يتصدق به ، ومثله كثير في كلامهم ، واحتج الخوارج بهذا الحديث على أن القطع يجب في قليل الأشياء وكثيرها ، ولا حجة لهم في ذلك ; لأن قوله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما لما نزل قال صلى الله عليه وسلم ذلك على ظاهر ما نزل ، ثم أعلمه الله أن القطع لا يكون إلا في مقدار معلوم ، فكان بيانا لما أجمل ، فوجب المصير إليه ، وفي هذا المقدار اختلاف بين العلماء على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية