الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 139 ] فصل .

                                                                                                                          فإن ادعى بعضهم غلطا فيما تقاسموه بأنفسهم وأشهدوا على تراضيهم به ، لم يلتفت إليه ، وإن كان فيما قسمه قاسم الحاكم فعلى المدعي البينة ، وإلا فالقول قول المنكر مع يمينه ، وإن كان فيما قسمه قاسمهم الذي نصبوه ، وكان فيما اعتبرنا فيه الرضى بعد القرعة ، لم تسمع دعواه وإلا فهو كقاسم الحاكم ، وإن تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهما شيء معين بطلت ، وإن كان شائعا فيهما فهل تبطل القسمة ؛ على وجهين ، وإذا اقتسما دارين قسمة تراض ، فبنى أحدهما في نصيبه ، ثم خرجت الدار مستحقة ، ونقض بناؤه رجع بنصف قيمته على شريكه ، وإن خرج في نصيب أحدهما عيب فله فسخ القسمة ، وإذا اقتسم الورثة العقار ، ثم ظهر على الميت دين ، فإن قلنا : هي إفراز حق ، لم تبطل القسمة وإن قلنا هي بيع انبنى على بيع التركة قبل قضاء الدين ، هل يجوز ؛ على وجهين .

                                                                                                                          وإن اقتسما ، فحصلت الطريق في نصيب أحدهما ، ولا منفذ للآخر بطلت القسمة .

                                                                                                                          ويجوز للأب والوصي قسم مال المولى عليه مع شريكه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( فإن ادعى بعضهم غلطا فيما تقاسموه بأنفسهم وأشهدوا على تراضيهم به ، لم يلتفت إليه ) ذكره الأصحاب ؛ لأنه قد رضي بذلك ، ورضاه بالزيادة في نصيب شريكه يلزمه ، وصحح المؤلف أنه تقبل ببينة عادلة ؛ لأن ما ادعاه محتمل ، فتنقض القسمة ، أشبه ما لو شهد عليه بقبض ثمن أو مسلم فيه ، ثم ادعى غلطا في كيله أو وزنه .

                                                                                                                          وقولهم : إن حقه في الزيادة سقط برضاه ، ممنوع ، فإنه إنما يسقط إذا علمه .

                                                                                                                          وفي " الرعاية " : أنه لا يقبل وإن أقام بينة ، إلا أن يكون مسترسلا مغبونا بما يسامح به عادة ، أو الثلث أو السدس على الخلاف ( وإن كان فيما قسمه قاسم الحاكم فعلى المدعي البينة ) لقوله عليه السلام : فعلى المدعي البينة ( وإلا فالقول قول المنكر مع يمينه ) لقوله عليه السلام : واليمين على من أنكر ولأن الظاهر الصحة وأداء الأمانة ، ولا يحلف القاسم ( وإن كان فيما قسمه قاسمهم الذي نصبوه ، وكان فيما اعتبرنا فيه الرضى بعد القرعة ، لم تسمع دعواه ) لأنه رضي بالقسمة ( وإلا فهو كقاسم الحاكم ) لأنه بمنزلته ، وكذا في " المستوعب " و " المحرر " و " الوجيز " . وقيل : إن قلنا : القسمة بيع ، أو كانت مع رد ، لم تسمع دعوى الغلط ، وإن قلنا : إفراز سمعت .

                                                                                                                          فرع : تقبل شهادة القاسم أن زيدا أخذ حقه ، وإن كان بجعل فلا . ذكره في [ ص: 140 ] " المستوعب " و " الرعاية " ( وإن تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهما شيء معين بطلت ) القسمة ، ذكره في " المحرر " و " الوجيز " و " الفروع " ؛ لأنه تبين أن أحد المتقاسمين لم يأخذ حقه ، وكما لو فعلا ذلك مع علمهما بالحال ، وإن كان المستحق من الحصتين على السواء لم تبطل فيما بقي على الأشهر ، لأن الباقي مع كل واحد قدر حقه ، إلا أن يكون ضرر المستحق في نصيب أحدهما أكثر ، كسد طريقه أو مجرى مائه أو ضوئه ونحوه ، فيبطل لأن هذا يمنع التعديل .

                                                                                                                          وقيل : تبطل ؛ لأنه لم يتعين الباقي لكل واحد منهما في مقابلة ما بقي للآخر ( وإن كان شائعا فيهما فهل تبطل القسمة ؛ على وجهين ) :

                                                                                                                          أحدهما : تبطل ، قدمه في " المحرر " و " الفروع " ، وجزم به في " الكافي " و " الوجيز " ؛ لأن الثالث شريكهما لم يحضر ولم يأذن ، أشبه ما لو علماه .

                                                                                                                          والثاني : لا ، كما لو كان المستحق في نصيبهما على السواء ؛ لأنه يمكن بقاء حقه في يدهما جميعا مع بقائهما فيما عدا ذلك على ما كانا . وإذا ادعى كل منهما أن هذا من سهمي تحالفا ونقضت القسمة ( وإذا اقتسما دارين قسمة تراض ، فبنى أحدهما أو غرس في نصيبه ، ثم خرجت الدار مستحقة ونقص بناؤه ) وقلع غراسه رجع بنصف قيمته على شريكه ) لأن هذه القسمة بمنزلة البيع ؛ لأن الدارين لا يقتسمان قسمة إجبار ، وإنما هو بالتراضي ، ولو باعه نصف الدار رجع عليه بنصف ما غرم كذا هذا أو كذا في قسمة الإجبار إن قلنا هي بيع ، وإن قلنا [ ص: 141 ] إفراز فلا رجوع ؛ لأنه أفرز له حقه من حقه ولم يضمن له ما غرم فيه .

                                                                                                                          وأطلق في " التبصرة " رجوعه ، وفيه احتمال .

                                                                                                                          قال الشيخ تقي الدين : إذا لم يرجع حيث لا يكون بيعا فلا يرجع بالأجرة ولا بنصف قيمة الولد في الغرور ، إذا اقتسما الجواري أعيانا .

                                                                                                                          وعلى هذا فالذي لم يستحق شيئا من نصيبه يرجع الآخر عليه بما فوته من المنفعة هذه المدة ( وإن خرج في نصيب أحدهما عيب فله فسخ القسمة ) ذكره في " الرعاية " وغيرها ، إن كان جاهلا به ؛ لأن العيب نقص عن قدر حقه الخارج له ، فوجب أن يتمكن من فسخ القسمة استدراكا لما فاته . وله الإمساك مع أرش العيب ؛ لأنه نقص في نصيبه فكان له ذلك استدراكا لحقه الثابت كالمشتري .

                                                                                                                          قال في " الشرح " : ويحتمل أن تبطل القسمة ؛ لأن التعديل فيها شرط ، ولم يوجد بخلاف البيع ( وإذا اقتسم الورثة العقار ، ثم ظهر على الميت دين ، فإن قلنا : هي إفراز حق ، لم تبطل القسمة ) ذكره معظم أصحابنا ؛ لأن الدين يتعلق بالتركة بعد القسمة ، فلم يقع ضرر في حق أحد ، لكن إن امتنعوا من وفاء الدين بطلت ؛ لأن الدين مقدم على الميراث ، وإن امتنع بعضهم بطل في نصيبه وحده ، وفي " الكافي " في صحة القسمة وجهان ولم يفرق ، وبنى ذلك على أن الدين هل يمنع صحة التصرف في التركة ؛ فيه وجهان ( وإن قلنا هي بيع ) ذكر ابن عقيل [ ص: 142 ] أنه المذهب ( انبنى على بيع التركة قبل قضاء الدين ، هل يجوز ؛ على وجهين ) وحكاهما في " المحرر " وغيره ، روايتان .

                                                                                                                          الأصح : الجواز ؛ لأن العبد الجاني يتعلق برقبته حق المجني عليه ويتمكن مالكه من بيعه ، فكذا الوارث .

                                                                                                                          والثانية : لا ؛ لأن تعلق الدين بالعين يمنع التصرف فيها كالرهن .

                                                                                                                          تنبيه : تركة الميت يثبت فيها الملك لورثته ، سواء كان عليه دين أو لا ، نص عليه .

                                                                                                                          وقال الإصطخري : يمنع بقدره ، وأومأ إليه أحمد ؛ لأن الدين لم يثبت في ذمة الورثة فيجب أن يتعلق بالتركة .

                                                                                                                          والمذهب الأول ، بدليل أن الغريم لا يحلف على دين الميت ؛ لأن الدين محله الذمة ، وإنما يتعلق بالتركة ، فيتخير الوارث بين قضاء الدين منها أو من غيرها كالرهن والجاني ، ولا يلزمه نفقة الرقيق والنماء له ؛ لأنه نماء ملكه ، أشبه كسب الجاني ، وقيل : يتعلق به حق الغرماء كنماء الرهن .

                                                                                                                          فمن اختار الأول قال : تعلق حق الغرماء بالرهن آكد ؛ لأنه ثبت باختيار المالك ، ولهذا منع من التصرف فيه .

                                                                                                                          وعلى الأخرى : حكمه حكم التركة وما يحتاج إليه من المؤنة منها ، فإن تصرف الوارث فيها ببيع أو هبة ، فعلى المذهب : هو صحيح إن قضى الدين ، [ ص: 143 ] وإلا نقض تصرفه ، كما إذا تصرف السيد في الجاني ولم يؤد الجناية .

                                                                                                                          وعلى الثانية : تصرفه فاسد ؛ لأنه تصرف فيما لا يملكه .

                                                                                                                          وقال ابن حمدان : إن تعلق الدين بالتركة كتعلقه بالرهن ، لم يصح تصرف الوارث قبل الوفاء ، ولم يختص بالنماء ، وإن قلنا كتعلق الأرش بالجاني ـ وهو الأقيس ـ فيصح تصرفه ، ثم إن ظهر الدين فلربه الفسخ وأخذ دينه ، في الأصح ، والدين المستغرق وغيره سواء .

                                                                                                                          مسألة : إذا كان له شجر وعليه دين فأثمرت ، ومات ، فالثمرة إرث ولا يتعلق بها دين ، وفيها الزكاة إن قلنا تنتقل التركة مع الدين ، تعلق بها الدين ، وإن كان بعد وقت الوجوب ففي الزكاة روايتان ، وإن كان قبله ونقلنا التركة قبل وفاء الدين فكذا ، وإلا فلا .

                                                                                                                          فرع : إذا كانت التركة أرضا ، ورضي ربها بإخراج ثلثها ، فقسمها الورثة وقالوا : نحن نخرج قيمة الثلث بيننا ، فقيل : يجوز كالدين ، وقيل : لا ؛ لأن المستحق بالوصية بعض الأرض ، فتبطل القسمة .

                                                                                                                          وقال السامري : تبطل في حق كل وارث بقدر حصته من الثلث ، وفي الباقي وجهان ، وكذا إن أوصى أن يباع ثلثها ويصرف في جهة عينها ( وإذا اقتسما فحصلت الطريق في نصيب أحدهما ، ولا منفذ للآخر بطلت القسمة ) ذكره جماعة ، منهم صاحب " الوجيز " و " الفروع " ؛ لأن النصيب الذي لا طريق له لا قيمة له إلا قيمة ملكه ، فلم يحصل تعديل ، والقسمة تقتضيه ؛ لأن من شرط الإجبار على [ ص: 144 ] القسمة أن يأخذه كل منهما يمكن الانتفاع به ، لكن إن كان أخذه راضيا عالما بأنه لا طريق له جاز ، كما لو اشتراه .

                                                                                                                          قال الشيخ تقي الدين : وكذا طريق ماء ، ونصه : هو لهما ما لم يشترطا رده .

                                                                                                                          قال المؤلف : قياسه : جعل الطريق مثله في نصيب الآخر ، ما لم يشرط صرفها عنه ، ونقل أبو طالب في مجرى الماء : لا يغير مجرى الماء ولا يضر بهذا ، إلا أن يتكلف له النفقة حتى يصلح مسيله .

                                                                                                                          فرع : إذا كان لهما ظلة فوقعت في حق أحدهما ، فهي له بمقتضى العقد ، ذكره في " المحرر " و " الوجيز " وغيرهما ( ويجوز للأب والوصي قسم مال المولى عليه مع شريكه ) لأن القسمة إما بيع وإما إفراز حق ، وكلاهما يجوز لهما ، ولأن فيها مصلحة الصغير فجازت كالشراء ، ويجوز لهما قسمة التراضي من غير زيادة في العوض ؛ لأن فيه دفعا لضرر الشركة ، أشبه ما لو باعه لضرر الحاجة إلى قضاء الدين .

                                                                                                                          وفي " المحرر " و " الوجيز " : وولي المولى عليه في قسمة الإجبار بمنزلته ، وكذلك في قسمة التراضي إذا رآها مصلحة .



                                                                                                                          الخدمات العلمية