الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          الخامس : أن يشهد الفاسق بشهادة فترد ، ثم يتوب فيعيدها ، فإنها لا تقبل للتهمة ، ولو لم يشهد بها عند الحاكم حتى صار عدلا ، قبلت ، ولو شهد كافر أو صبي أو عبد فردت شهادتهم ، ثم أعادوها بعد زوال الكفر والرق والصبا قبلت ، وإن شهد لمكاتبه أو لموروثه بجرح قبل برئه ، فردت ، ثم أعادوها بعد عتق المكاتب وبرء الجرح ، ففي ردها وجهان ، وإن شهد بعفو شريكه في الشفعة عنها فردت ، ثم عفا الشاهد عن شفعته ، وأعاد تلك الشهادة لم تقبل ، ذكره القاضي ، ويحتمل أن تقبل .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( الخامس : أن يشهد الفاسق بشهادة فترد ، ثم يتوب ويعيدها فإنها لا تقبل ) جزم به " المحرر " و " الوجيز " و " السامري " ، وزاد وجها واحدا ( للتهمة ) في أدائها لكونه [ ص: 251 ] يعير بردها ، فربما قصد بأدائها أن تقبل لإزالة العار الذي لحقه بردها ، ولأنها ردت باجتهاد فقبولها نقض لذلك الاجتهاد ، وعنه : تقبل ، حكاها في " الرعاية " ، وقاله أبو ثور والمزني .

                                                                                                                          قال ابن المنذر : والنظر يدل على هذا ، كغير هذه الشهادة ، وكما لو شهد وهو كافر فردت ، ثم أسلم ( ولو لم يشهد بها عند الحاكم حتى صار عدلا قبلت ) بغير خلاف نعلمه ؛ لأن التهمة إنما كانت من أجل العار الذي يلحقه في الرد ، وهو منتف هنا ، وهكذا الصبي والكافر إذا شهد بعد الإسلام والبلوغ ؛ لأن الصبيان في زمنه صلى الله عليه وسلم كانوا يروون بعدما كبروا ، كابن جعفر وابن الزبير ، والشهادة في معنى الرواية ؛ لأن التهمة هنا منتفية ، وكذا العبد إذا شهد بعد العتق ( ولو شهد كافر أو صبي أو عبد فردت شهادتهم ، ثم أعادوها بعد زوال الكفر والرق والصبا ) وعبارة بعضهم : بعد زوال المانع ، وهي أولى ( قبلت ) جزم به في " الوجيز " ، وصححه في " المحرر " و " المستوعب " ؛ لأن رد الشهادة في الأحوال المذكورة لا غضاضة فيها ، فلا تقع تهمة في الإعادة بخلاف التي قبلها ، ولأن البلوغ والحرية ليسا من فعله ، ويظهر أنه بخلاف الفسق .

                                                                                                                          والثانية : لا تقبل ، اختارها أبو بكر وابن أبي موسى كالفاسق ، ولأن شهادة العبد مجتهد فيها ، فإذا ردت لم تقبل كالفاسق .

                                                                                                                          وكذا إذا ردت لجنون أو خرس ثم أعادها بعد زوال المانع ، فإنها تقبل [ ص: 252 ] على الأصح ( وإن شهد لمكاتبه أو لموروثه بالجرح قبل برئه ، فردت ، ثم أعادوها بعد عتق المكاتب وبرء الجريح ، ففي ردها وجهان ) .

                                                                                                                          أحدهما : تقبل ، جزم به في " الوجيز " وصححه في " المغني " ؛ لأن زوال المانع ليس من فعله ، أشبه زوال الصبا ، ولأن ردها بسبب لا عار فيه ، فلا يتهم في قصد نفي العار بإعادتها ، بخلاف الفسق .

                                                                                                                          والثاني : لا تقبل ، صححه في " المحرر " .

                                                                                                                          وذكر في " الكافي " : أنه الأولى ، قدمه في " الرعاية " ؛ لأن ردها باجتهاده فلا ينقض ذلك باجتهاده ، ولأنها ردت بالتهمة كالمردودة للفسق ، ونصر المؤلف الأول ، فإن الأصل قبول شهادة العدل ، ولا يصح القياس ، وأما نقض الاجتهاد بالاجتهاد فهو جائز بالنسبة إلى المستقبل ، غير جائز بالنسبة إلى الماضي .

                                                                                                                          بدليل أن عمر رضي الله عنه قضى في قضية بقضايا مختلفة ، وقبول الشهادة هنا من النقض في المستقبل .

                                                                                                                          فرع : الخلاف جار في كل موضع ردت التهمة رحم أو زوجية أو عداوة أو جلب نفع أو دفع ضرر ، ثم زال المانع ، ثم أعادها ، وقيل : إن زال المانع باختيار الشاهد ، كإعتاق العبد وتطليق الزوجة ردت ، وإلا فلا ( وإن شهد الشفيع بعفو شريكه في الشفعة عنها ، فردت ، ثم عفا الشاهد عن شفعته ، وأعاد [ ص: 253 ] تلك الشهادة ، لم تقبل ، ذكره القاضي ) جزم به في " الوجيز " ، وقدمه في " الرعاية " ؛ لأنه متهم أشبه الفاسق ( ويحتمل أن تقبل ) هذا وجه ؛ لزوال المانع ، والأولى أن يخرج على الوجهين في التي قبلها ؛ لأنها إنما ردت لكونه يجر بها إلى نفسه نفعا ، وقد زال ذلك بعفوه .

                                                                                                                          قال في " الترغيب " : من موانعها الحرص على أدائها قبل استشهاد من يعلم بها ، قبل الدعوى أو بعدها ، فترد ، وهل يصير مجروحا ؛ يحتمل وجهين ، قال : ومن موانعها العصبية ، فلا شهادة لمن عرف بها ، وبالإفراط في الحمية ، كتعصيب قبيلة على قبيلة وإن لم تبلغ رتبة العداوة .

                                                                                                                          فرع : إذا شهد عند حاكم ، فقال آخر : أشهد بمثل ما شهد به ، أو بذلك ، أو كذلك ، أو بما وضعت به خطي ، فقال ابن حمدان : يحتمل أوجها .

                                                                                                                          ثالثها : يصح في : وبذلك وكذلك فقط ، وهو أشهر ، وفي " نكت المحرر " : إن القول بالصحة في الجميع أولى .



                                                                                                                          الخدمات العلمية