الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب في الاستثناء ( قال ) وإذا قال الرجل لامرأته : أنت طالق إلا أن يقدم فلان فإن قدم فلان لم تطلق ، وإن مات قبل أن يقدم طلقت ; لأن معنى كلامه أنت طالق إن لم يقدم فلان أي إلا أن يقدم فلان فلا تكون طالقا ، وإنما لا تكون طالقا عند قدوم فلان إذا كان الوقوع متعلقا بشرط عدم القدوم ، سواء كان الشرط نفيا أو إثباتا فما لم يوجد لا ينزل الجزاء ، فإن قدم فلان فشرط الوقوع قد انعدم وإذا مات قبل أن يقدم فقد تحقق شرط الوقوع الآن ، وهذا بخلاف ما لو قال : أنت طالق إن كلمت فلانا إلا أن يقدم فلان فإنها إن كلمت فلانا قبل القدوم طلقت ، وإن سبق القدوم لم تطلق بعد ذلك ، وإن كلمت فلانا يمين لوجود الشرط والجزاء واليمين قابلة للتوقيت ، فكان قوله إلا أن يقدم فلان توقيت - ليمينه بمعنى حتى وإذا كلمت قبل القدوم فقد وجد الشرط واليمين باقية فتطلق .

وإذا قدم فلان فقد انتهت اليمين بوجود غايتها ، وإذا كلمت بعد ذلك فقد وجد الشرط ولا يمين ، فأما في الأول قوله : أنت طالق إيقاع لا يحتمل التوقيت فلو جعلنا قوله إلا أن يقدم فلان بمعنى حتى كان لغوا وكلام العاقل مهما أمكن [ ص: 27 ] تصحيحه لا يجوز إلغاؤه فجعلنا قوله " إلا أن يقدم فلان " بمعنى الشرط ; لأن الإيقاع يحتمل التعليق بالشرط .

ولو قال : أنت طالق إلا أن يرى فلان غير ذلك فهذا إليه على مجلسه الذي يعلم فيه فإن قام قبل أن يرى غيره طلقت ; لأن معنى كلامه إن لم ير فلان غير ذلك .

ولو قال : إن رأى فلان غير ذلك كأن يتوقت بالمجلس عليه فكذلك إذا قال إن لم ير فلان غير ذلك ; لأنه تمليك للأمر من فلان ، وكذلك لو قال : إلا أن يشاء فلان غير ذلك أو إلا أن يبدو لفلان غير ذلك كله بلسانه ; لأنا لا نقف على ما في ضميره وإنما يعبر عما في قلبه لسانه .

ولو قال : إلا أن أرى غير ذلك أو إلا أن أشاء أو إلا أن يبدو لي فهو إلى الموت ; لأن في حقه لا يمكن أن يحمل على معنى تمليك الأمر من نفسه فإنه كان مالكا لأمرها فيحمل على حقيقة الشرط ، وعدم رؤيته غير ذلك بعد موتها يتحقق ، والحال بعد موتها في حقه كالحال قبله ، وكذلك قوله أنت طالق إن شاء فلان أو أحب أو رضي أو هوي أو أراد ذلك كله على مجلس علمه به .

ولو أضاف إلى نفسه فكان على الأبد ; لأن في حق الغير يجعل تمليكا للأمر منه فيختص بالمجلس وفي حق نفسه لا يمكن أن يجعل تمليكا فيبقى حقيقة الشرط معتبرا ولو قال : إن لم أشأ ثم قال بعد ذلك لا أشاء لا يقع به الطلاق ; لأن الشرط عدم مشيئة طلاقها في عمره ولم يوجد ذلك بقوله لا أشاء فإنه متمكن من أن يشاء بعد ذلك .

ولو قال : إن أبيت طلاقك أو كرهت طلاقك ثم قال : لست أشاء طلاقك وقد أبيته طلقت ; لأنه جعل الشرط هنا وجود فعل هو إباء منه ، وقد وجد ذلك بقوله : لا أشاء ، أو بقوله : أبيت ، وفي الأول جعل الشرط عدم المشيئة فكأنه قال : إن سكت عن مشيئة طلاقك حتى أموت فلا يصير الشرط موجودا بقوله لا أشاء فلهذا لا تطلق .

ولو قال : إن لم يشأ فلان ذلك ، فقال فلان : لا أشاء طلقت لا بقوله لا أشاء ولكن بخروج المشيئة عن يده ، فقوله لا أشاء بمنزلة ما لو قام عن المجلس أو أخذ في عمل آخر حتى أنه لو وقت كلامه في حق فلان فقال إن لم يشأ فلان اليوم فقال فلان لا أشاء لم تطلق ; لأن هذا يتوقت باليوم دون المجلس وبقوله لا أشاء لا تنعدم المشيئة منه في بقية اليوم فلهذا لا تطلق ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب وإليه المرجع والمآب .

التالي السابق


الخدمات العلمية